س: لفظ (أهل النار) ألا يشمل المؤمنين العصاة الذين سيعذبون ثم يخرجون؟
ج: لفظ (أهل النار) إذا أطلق ينصرف لأهلها الذين هم أصحابها، أما المؤمنون فليسوا بأهلها ولا من أصحابها فوجودهم فيها عارض وليس للاستيطان فهم كالمسافر فإنه لا ينسب إلى البلد التي يجلس فيها فترة وجيزة بل ينسب إلى بلده الذي يقيم فيه، ولا ينسب إلى بلد إلا من هم أهله أصلاً أو جاءوا وأطالوا المكث في البلد وأطالوا الإقامة فينسبون له، فالنار لا تنسب إلا لأهلها الأصليين وهم الكفار وأما المؤمن العاصي فهذا مروره في النار عارض بل ليطهر ثم لينقل بعد ذلك إلى جنات النعيم برحمة أرحم الراحمين.
وعند المحدثين لا ينسب الإنسان إلى بلده إلا إذا أقام فيها، أربع سنين، فيصح أن تنسبه إليها وتقول مستوطن أصلي ولا أقول كتعبير الجاهلية في هذا الحين مواطن، فليس عند المؤمنين إلا جنسية واحدة هي جنسية (لا إله إلا الله).
وصفوة الكلام وخلاصته: إرادة الله ومشيئته قسمان:
1 - إرادة أمر وتشريع وتكون هذه الطاعات والمعاصي سواء وقعت أو لم تقع، والمقصود أن ما أمرنا به الله ونهانا عنه مرادٌ له إرادة دينية شرعية.
2 - إرادة قضاء وتقدير وهي شاملة لجميع الكائنات محيطة بجميع الحادثات لا يخرج عنها شيء على الإطلاق، ولذلك كانت من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم: [أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بَرُّ ولا فاجر من شرما خلقت] فكلمات الله هنا هي: الكونية لأنه قال لا يجاوزها ولا يخرج عنها بر ولا فاجر.
إذن الإرادة الدينية الشرعية قد تقع وقد لا تقع، والإرادة الكونية لابد من وقوعها والإرادة الدينية الشرعية تتعلق بما يحبه الله ويرضاه، والإرادة الكونية تتعلق فيما يحبه وفيما يكرهه فمن لازم ما يريده الله إرادة دينية شرعية أن يحبه ويرضاه، ومن لازم ما يريده إرادة كونية قدرية أن يقع ولا يتخلف.
المبحث الثالث
العلاقة بين الإرادتين:
تتحدد العلاقة بينهما في أربع صور ليس لها خامس:
• الصورة الأولي: اجتماعهما:
أي: أن توجد الإرادة الكونية المقدرية والإرادة الدينية الشرعية.
مثالها: إيمان المؤمن، تحجب المرأة الصالحة، باختصار: كل طاعة تقع في هذه الحياة، فهي تقع بإرادة الله الدينية والكونية، بإرادة الله الدينية حيث أمر الله بها وأحبها، وبإرادته الكونية حيث قدرها وشاءها فلولا ذلك ما حصلت.
فإذن الله أراد الإيمان من المؤمن إرادة دينية لأنه يحب هذا ويرضاه، وأراده إرادة كونية لأنه وقع منه، ولو لم يرده منه كوناً لما وقع منه.
• الصورة الثانية: انتفاؤهما:
أي: لا توجد الإرادة الكونية القدرية ولا الإرادة الدينية الشرعية.
مثالها: انتفاء الكفر في حق المؤمن.
فانتفى الكفر في حق المؤمن لانتفاء الإرادتين، لا، هم لم يأمروا به (إن الله لا يؤمر بالفحشاء) وبالتالي فلم تتعلق به الإرادة الدينية الشرعية،وكذلك لم يقدرهم عليه حيث لم يكفروا وبالتالي لم تتعلق به الإرادة الكونية القدرية، فإذن انتفت الإرادتين.
ومثله: انتفاء السفور في حق المرأة المتحجبة، وباختصار: كل شيء لم يقع مما يكرهه الله ويبغضه فلانتفاء الإرادتين الكونية لأنه لم يقع، وانتفت الإرادة الكونية لأنه مما يبغضه الله.
• الصورة الثالثة: وجود الإرادة الدينية الشرعية فقط وتخلف الإرادة الكونية القدرية:
مثالها: طلب الإيمان من أبي جهل وأبي لهب ومن الكفار جميعاً فالله سبحانه وتعالى أراد الإيمان منهم وأمرهم به (اعبدوا الله مالكم من إله غيره) إرادة دينية شرعية لأن الإيمان مما يحبه الله، ولكن الله جل وعلا لم يرد هذا منهم كوناً وقدراً لأنه لم يحصل منهم لأنه لو أراده كوناً وقدراً لحصل منهم، فلما لم يحصل منهم علمنا أن الإرادة الكونية منتفية في حقهم.
• الصورة الرابعة: (عكس السابقة: وجود الإرادة الكونية القدرية): وتخلف الإرادة الدينية الشرعية:
¥