مثالها: كفر أبي جهل: فالله لم يأمر أبا جهل ولم يرد منه الكفر إرادة دينية شرعية بها طلب منه الإيمان، وقع هذا بإرادته الدينية لا الكونية، لأنه لو وقع طلب الإيمان بإرادة كونية قدرية لما تخلف مقتضاها، لكن ليس الحال كذلك فالذي وقع بإرادة الله الكونية القدرية هو الكفر، فلذلك إذن وجدت الإرادة الكونية القدرية فقط، وتخلفت الإرادة الدينية الشرعية لأن الكفر ليس مما يحبه الله ويرضاه.
هذه هي الصورة الرابعة للإرادتين
س: بالنسبة لأمر الله هل ينقسم إلى أمر كوني قدري وأمر ديني شرعي؟
ج: لا شك أن أمر الله وإرادته ومشيئته وكلماته كل هذا ينقسم إلى كوني وشرعي قال الله تعالى في سورة الإسراء: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً).
(أمرنا مترفيها) اختلف أئمتنا الكرام في الأمر هنا على قولين: فقيل: أنه من الأمر الذي هو ضد النهي وقيل: أنه من الأمر الذي هو بمعنى التكثير وعلى القول الأول – الأمر الذي هو ضد النهي – فيحتمل معنيين أيضاً:
الأول: أي أمرنا مترفيها بالفسق ففسقوا وعليه فالآن هنا أمر كوني قدري، كما قال الله تعالى: (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازيّنت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً ... ) أي الأمر الكوني القدري، بمعنى شئنا لهم ذلك وقدرناه عليهم لما نعلمه من حكمة فيهم.
الثاني: قيل يوجد في الآية شيء محذوف والتقدير: أمرناهم بالطاعة فعصوا وفسقوا عن شرع الله وعليه فالأمر هنا ديني شرعي.
والمعنيان تحتملهما الآية وكل منهما مقرر في كتب التفسير، وهو قول حق مقبول، وانظروا هذا في تفسير ابن كثير وغيره.
وعلى القول الثاني – أي بمعنى التكثير – فمعنى كثّرنا، يقال: أَمِرَ كذا بمعنى كثّر، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم – والحديث في المسند ومعجم الطبراني بسند رجاله ثقات كما قال الهيثمي: [خير مال المرء مُهْرة مأمورة أو سكة مأبورة].
فمعنى مأمورة هنا كثيرة النتاج والنسل، وهذا حقيقة من خير مال المسلم أن تكون له خيل تنتج الأولاد الذين يُغزى عليهم في سبيل الله ويستعان بهم على أمور الحياة والخيل هي وسيلة الجهاد المفضلة لاسيما عندما كان الجهاد بالسلاح الأبيض لا بالسلاح الأسود، والآن يجلسون في الخنادق ويحاربون، هذه ليست شجاعة، بل الشجاعة هي المواجهة وجهاً لوجه والتبارز.
[أو سكة مأبورة] أي طريق مصطف بالنخل، مأبورة أي مؤبرة ملقحة بوضع طلح الذكر على الأنثى لئلا يسقط الحمل.
ويشهد لهذا المعنى قراءة يعقوب وهو من القراء العشرة المتواترة قراءاتهم، حيث قرأ الآية (وإذا أردنا أن نهلك قرية آمرنا .. ) والقراءة متواترة، أي أكثرناهم كثرة زائدة، لا، المسرفين إذا أكثروا وكثر الترف والبطر والأشر تستحق الأمة بعد ذلك العقوبة، قال الإمام الكسائي: آمرنا وأمرنا بمعن ً واحد بمعنى أكثرنا.
وهناك قراءة للحسن البصري وهي شاذة لا يجوز القراءة بها لكن توجه من ناحية المعنى واللغة بتشديد الميم ( ... أمّرنا ... ) أي جعلناهم أمراء مسلطين.
الأمر يكون كونياً ويكون دينياً، فهو كوني قدري لكن حسب التقدير: أمرنا بالطاعة فالأمر ديني، أمرنا بالفسق فالأمر كوني.
المبحث الرابع
الضالون الزائغون في قدر الحي القيوم:
ضل في قدر الله وإرادته وتقديره ومشيئته فرقتان:
1 - قدرية مجوسية.
2 - قدرية جبرية.
الفرقة الأولي: القدرية المجوسية:
فقد ظهرت بذورها في أواخر أيام الصحابة الكرام وأول من دعا إليها نصراني ملعون اسمه (سوسن) (أي هو أول من أظهر بذورها دون تحديد معالم هذا القول الباطل).
وهذه الضلالة التي أحدثها تلقاها عنه شيطان رجيم هو معبد الجهنمي وحاصل قوله:
1) أن الله لا يعلم الشيء إلا بعد أن يقع. 2) وأنه لم يقدر شيئاً. 3) أنه لم يرد شيئاً ولم يشأه. وكان هو أول من قال بهذا، وهذا هو قول المتقدمين من القدرية المجوسية ويسمون القدرية الغلاة ثم انقرض من قال هذا القول بعد ذلك وذهب أهل هذا القول، فجاء بعدهم من انتسب إليه وقال بقول آخر، سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.
¥