وهذه من أحكام الدنيا لا من أحكام الآخرة، ويعنون بها أن من فعل كبيرة ولم يتب منها ومات على ذلك فهو مخلد في نار جهنم – هذا في الآخرة – لكنه ليس بمؤمن ولا كافر – هذا في الدنيا -، وهذا هو قول الإباضية وتقدم معنا، وأما الخوارج فكفَّروا فاعل الكبيرة، وأخرجوه من الإيمان وخلدوه في النيران، وأهل السنة قالوا فاعل الكبيرة: مؤمنٌ عاص ٍ فلم يكفَّروه، وقالوا مآله إلى الجنة مهما عذب إذا لم يغفر الله له ابتداءً.
وأما المعتزلة فتذبذبوا فقالوا لا نكفره كما كفره الخوارج ولا نحكم له بالإيمان كما قال أهل السنة، فهو لا مؤمن ولا كافر في منزلة بين منزلتين بين الإيمان والكفر، وأما في الآخرة فلأنه لا يوجد إلا داران إما جنة أو نار فقالوا هو مخلد في النار.
نقول: كيف لم تكفروه وحكمتم عليه بالخلود في النار، ولذلك قول الخوارج – مع ضلاله – أوفق مع بعض فهم كفروه وخلدوه، وأما هؤلاء فقالوا ليس بكافر وخلدوه في النار ولذلك كان أئمتنا يقولون عن المعتزلة في هذه المسألة: إنهم مخانيث الخوارج لأنهم وافقوهم في النتيجة (الخلود في النار).
الرابع: إنفاذ الوعيد:
يعنون به أنه يجب على الله أن يعاقب العاصي ولا يجوز أن يغفر له وذلك العقاب هو؟؟؟ وتقدمت معنا مناظرة أبي عمرو بن العلاء وأبي عثمان عمرو بن عبيد.
نقول: هذا الوجوب باطل لأن كل وعيد مقيد بقيدين:
1) عدم مغفرة الله للعاصي، فإذا غفر له لا يناله الوعيد، لحديث عبادة مرفوعاً [ .. ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه] كما رواه الإمام أحمد والستة إلا أبا داود، وتقدم معنا أن أعظم آيات الرجاء رجاءً قول الله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
2) عدم التوبة، فإذا تاب لا يناله الوعيد، والمعتزلة سلموا بهذا القيد – عدم التوبة – فقالوا من تاب لا يناله الوعيد فإذن هو قيد مجمع عليه، قالوا: هذا قيد لأنه ورد بدليل منفصل (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات)، (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً).
وهذا حق من المعتزلة، لكن نقول لهم كما جعلتم عدم التوبة قيداً فتجعلوا عدم المغفرة قيداً، قالوا: لا نجعله قيداً لأنه إذا غفر له فيكون قد أخلف وعيده فهذا كذب منه، فنقول لهم: ذلك الوعيد مقيد بعدم المغفرة كما أنه مقيد بعدم التوبة، وكما أخرجتم قيد عدم التوبة بدليل منفصل فأخرجوا القيد الثاني (عدم المغفرة) بدليل منفصل، فلم تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟!، فالله سبحانه وتعالى قال: (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وقال (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب).
وقد دلت الأدلة الشرعية على أن التوبة مقبولة ما لم يصل الإنسان إلى أحد حالتين:
أ*) الغرغرة، فإذا وصلت روح الإنسان إلى حلقومه لم تقبل توبته لأنه يدخل في أول حالة من أحوال الآخرة وهي البرزخ، والدنيا انتهت في حقه الآن، لما ثبت عن عبد الله بن عمر – والحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وابن حبان – بسند صحيح – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر].
ب*) طلوع الشمس من المغرب، فإذا طلعت من مغربها لا تقبل توبة التائبين، لأن نظام الحياة انتهى ودخل الناس في أحوال الآخرة.
الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ويقصدون به وجوب الخروج بالسيف على أئمة الجور، هذا يدَّعون أنه أمر بمعروف ونهي عن منكر، والله إنه توسيع للمنكر وليس نهياً عن المنكر.
نقول: الأئمة ثلاثة أصناف:
1 - إمام إيمان وعدل، وصفاته بالإجماع: أن يكون ذكراً، حراً، عاقلاً، بالغاً، بايعته الأمة عن رضاً واختيار، يحكم بشريعة العزيز القهار (ستة)، واختلف في السابع وهو القرشية والمعتمد عند جمهور أهل السنة اشتراط القرشية في الإمام ليكون من أئمة العدل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [الأئمة من قريش] والمراد بالإمام هنا الإمام الأعظم الذي هو خليفة المسلمين، لا ولاته ووزراؤه وأعوانه فهؤلاء لا يشترط فيهم القرشية بالاتفاق، وكما قال أبو بكر رضي الله عنه للأنصار [نحن الأمراء وأنتم الوزراء].
¥