أفتى الإمام الأوزاعي بقتله كأنه اعترى هشام شيء من الندم بعد قتله وقال ليتني توقفت ولم استعجل بقتله، فكتب إليه رجاء () بن حَيْوَهْ: يا أمير المؤمنين: بلغني أنه وقع في نفسك شيئٌ من دم غيلان، والله إن قتله أفضل عند الله من قتل ألفين من الروم ().
وبمقتل غيلان زالت بدعة القدرية الغلاة ولم يبق قائل بتلك البدعة بعد غيلان، لكن المنهج تغير إلى المعتزلة فآل القول إليهم ونحتوا المذهب بعض النحت فانظروا ماذا قالوا:
1) قالوا: إن الله يعلم الأشياء بعد وقوعها – وبهذا خالفوا قول القدرية الغلاة لكنهم ضلوا في الباقي، فقالوا:
2) إن الله لم يقدر على عباده شيئاً.
3) إن الله لم يرد إلا ما أمر به وأحبه.
فبالقول الأول فارقوا القدرية الغلاة وبالقولين الأخيرين فارقوا أهل السنة، فليسوا بقدرية غلاة وليسوا بأهل هداة، وهذه الاعتقادات الثلاثة تدخل تحت أصل من أصولهم الخمسة – وستأتي – يسمونه العدل.
وأول من قال بهذا القول – قول المعتزلة – واصل () بن عطاء الغزّال وتبعه عليه أبو عثمان عمرو بن عبيد، وهؤلاء المعتزلة أتوا بأصول خمسة هدموا بها أركان الإيمان - وهي من مباحثنا المقررة -:
أصول المعتزلة الخمسة:
الأول: العدل
وإليه ينسبون أنفسهم فيقولون الطائفة العدلية، ويقصدون بالعدل نفي عموم مشيئة الله، يعني هم لا يقولون على جهة العموم – ما شاء الله كان، بل يقولون: الله يريد الخير ولا يريد الشر – وقد قلنا إن أكثر ما يقع في هذه الحياة الدنيا مخالفات ومعاص ٍ فهذه تقع بغير مشيئته سبحانه وتعالى يقولون: لا، نقول: إذن بمشيئة من تقع؟!! هذا بزعمهم عدل، إنه جور.
الثاني: التوحيد:
ويقصدون بالتوحيد نفي الصفات عن الله سبحانه وتعالى فليس له صفة تقوم به، فنفوا الصفات وتعللوا بأمرين:
الأمر الأول: إن إثبات الصفات يقتضي تعدد القدماء، والله واحد، فلئلا يتعدد القدماء تنفى الصفات عن رب الأرض والسماء، وهذه الصفات رحمة، قدره، علم وما ورد به القرآن قالوا: هذه أعلام محضة مترادفة تدل على الذات فليس لها معنىً آخر هذا كما تقول: حسام ومهند وحازم وصمصام فهذه كلها أعلام محضة مترادفة تدل على ذات معينة وهي قطعة الحديد التي هي السيف.
نقول: هذا باطل من جهتين:
1) هذه الأسماء لها معانٍ وهذه المعاني مختلفة وليست بمعنىً واحد وليست مترادفة، فليس الحال كما هو في أسماء السيف.
2) نقول: هذه الأسماء ليست هي الذات إنما تقوم بالذات، فمثلا ً، علمك وقدرتك ووجهك وسمعك وبصرك ليست هي ذاتك بل هي تقوم بذاتك، فكذلك الله سبحانه وتعالى، وله المثل الأعلى سبحانه.
الأمر الثاني: قالوا: لو أثبتنا لله الصفات للزم من هذا مشابهته بالمخلوقات، أي لو أثبتنا لله جل وعلا وجهاً وعلماً وقدرة وإرادة وسمعاً وبصراً للزم من هذا تشبيهه بنا.
نقول: إننا نرى الفرق واضحاً بين يد الإنسان ويد الكلب، ويد الباب فلكل واحد يد تناسبه مع أنها مخلوقات فكيف سيلزم التشبيه بين الخالق والمخلوق إن كان مخلوق مع مخلوق لم تتشابه أيديهم وله المثل الأعلى.
ونقول لهم يلزم التشبيه في حالة واحدة إذا اتحدت الذوات والصفات تتشابه فمثلاً ذاتي وذواتكم متشابهة فعندما أقول لي عين نقول مباشرة: كعيني، ولا يصح إذا قلت لك لي وجه ولك وجه أن تقول كوجه الصرصر لأن هنا الذرات اختلفت فذات البشر غير ذات الصرصر، فإذا اختلفت صفاتنا لاختلاف ذواتنا، فكذلك الخالق سبحانه وتعالى ذاته ليست كذواتنا وصفاته ليست كصفاتنا فلا يلزم التشبيه من باب الأولي، والله ليس كمثله شيء ولذلك إيماننا بالصفات – كما تقدم – إقرار وإمرار، نقرّ بالصفة ونمرها دون البحث في كيفيتها.
إذا لم يكن عون من الله للفتى ??? فأول ما يقضي عليه اجتهاده
فهم أرادوا أن يعملوا عقولهم في أمر غيبي فضلوا وأخلوا، كيف نأتي لصفات مدح الله بها نفسه فننفيها، وهل تعقل ذات بلا صفة؟!! ونفي الصفات هو التعطيل المحض ولذلك قال أئمتنا المعطل يعبد عدماً، والممثل يعبد صنماً وتوحيدهم في الحقيقة تلحيد.
الثالث: المنزلة بين منزلتين:
¥