تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الجهم أيضاً – يقرر مذهب الجبر – إن العبد بالنسبة لأفعاله كالريشة في مهاب الهواء يطيرها حيث شاء فلا اختيار لها وهكذا العبد عندما يعمل فليس له اختيار.

وقد أتى الجهم بخمس ضلالات هذه –

1 - القول بأن الإنسان مجبور إحداها.

2 - نفس الصفات عن الله.

3 - القول بفناء الجنة والنار، أي أن الجنة والنار تفنيان بعد أن يعذب أهل النار في النار وينعم أهل الجنة في الجنة كما أنه كان الله ولا شيء معه سيعود الأمر كذلك، وما سبق لهذا أحد لا من جن ولا من أنس.

4 - الخروج بالسيف على أئمة الجور، ومنه أخذها بعد ذلك المبتدعة وانتقلت إلى المعتزلة وانتقلت إلى الخوارج.

5 - قوله: إن الإيمان معرفة بالقلب فقط فلا يشترط النطق ولا العمل ولا الاعتقاد بل مجرد المعرفة: قال أئمتنا وعلى تعبيره ينبغي أن يكون إبليس مؤمناً لأنه اعترف بل قال: رب أنظرني إلى يوم القيامة، فإذن كان يعرف الله.

المبحث الخامس

سبب ضلال الضالين في قدر رب العالمين من قدرية جبرية وقدرية مجوسية:

سبب ضلالهم التسوية بين إرادتي الله وجَعْل الإرادتين إرادة واحدة وجعل النوعين نوعاً واحداً لكن اختلف جَعْلهم فبعضهم ألغى الشرعية وبعضهم ألغى الكونية القدرية:

أما القدرية الجبرية المشركة فهؤلاء ألغوا الإرادة الدينية الشرعية حيث بقولهم الذي ذكرناه كأنهم قالوا: إن لله إرادة واحدة، وكل ما يقع يحبه الله ويرضاه وكل ما نفعله مجبورون عليه ونحن ننفذ به إرادة الله ونحن نطيعه في ذلك.

أما القدرية المجوسية فهؤلاء ألغوا الإرادة الكونية القدرية حيث بقولهم كأنهم قالوا: ليس لله إلا أمر ونهي (الإرادة الدينية) وهو لم يقدر عليك شيئاً والعبد يفعل أفعاله بدون تقدير رب العالمين لها، فالله يأمر وينهى فقط ولا يعلم ماذا ستفعل ولم يقدر عليك شيئاً، فإذن هم ألغوا بهذا الإرادة الكونية القدرية التي هي كما قلنا مشيئة الله العامة وإرادته النافذة في كل شيء فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فألغوا المشيئة العامة وجحدوها وأنكروها، وقالوا: ليس له إلا مشيئة دينية افعلوا ولا تفعلوا، أقيموا الصلاة ولا تقربوا الزنا، لكن هل ستصلي أو ستزني ليس لله عليك تقدير في ذلك ولا يعلم إنما أنت الذي تقدر لنفسك، وأنت الذي تخلق لنفسك فهو نهاك عن الزنا لكن بإمكانك أن تعارضه وأن تزني فإذن غلبته تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

وضلال كلٍ من الفرقتين لا يخفى حسب ما تقدم معنا من تقسيم إرادة الله إلى دينية وذكرنا الأدلة عليها وإرادة كونية وذكرنا الأدلة عليها وأهل البدع لما سووا بينهما فجعلوهما واحدة هذا ضلال مبين.

المبحث السادس

يدخل تحته عدة تنبيهات وإيضاحات مهمة:

الإيضاح الأول: هل الإنسان مُسَيّرٌ أو مُخَيّر؟ مختار أم مضطر مريد أم مجبور؟

كنت ذكرت هذا لكم سابقاً في بعض الدروس المتقدمة، وهو أن الإنسان له حالتان:

الحالة الأولي: حالة هو فيها مكره مجبور مسير وهي: ما لم يطالب فيه بأمر ولم ينه عنه مما يقع منه أو عليه بغير اختياره وإرادته ككونه ذكراً أو أنثى جميلاً أو قبيحاً، طويلاً أو قصيراً فهذه وما شاكلها لم يطلب منه اختيار واحدة منها فلم يطلب منه مثلاً أن يكون ذكراً أو أنثى ولذلك فهنا لا فضل للأنثى على الذكر لأنها أنثى وليس للذكر فضل على الأنثى لأنه رجل بل كل واحد بعمله مرتهن، فقد تدخل المرأة الجنة ويدخل الرجل النار، وحذاء المرأة المسلمة أطهر من ملء الأرض كفاراً مع أنها قد تكون هذه المرأة فقيرة مسكينة، لكن نقول هذه مؤمنة وليس للكافر – مهما علا شأنه – وزن عند الله (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وهكذا لو كانت هناك امرأة مسلمة ورجل مسلم، لكن صلاحها كان أكثر من صلاحه، فالمرأة أعلى منزلة عند الله من الرجل المسلم الصالح الذي لم يبلغ لدرجتها في الصلاح.

إذا نظرت إلى أبي لهب تراه جميلاً – وكما يقولون: وكان عربياً – ولكن مع ذلك يقول الله له (تبت يدا أبي لهب)، وما سمي بأبي لهب إلا لأن وجهه كان يلمع كالشمس حمرة وشقرة.

وإذا نظرت إلى بلال الحبشي رضي الله عنه تراه أسوداً وكان عبداً لكن مع ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم له: [إني لأسمع قرع نعليك في الجنة] إذن فلا ثواب ولا عقاب على مجرد الحسن أو السواد بل بحسب العمل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير