الحالة الثانية: حالة نحن فيها مختارون وهي: كل ما يتعلق فيما أُمرنا به ونُهينا عنه، لنا اختيار ومشيئة وليس علينا قسر في فعلنا وعملنا، فكل واحد يعمل عمله باختياره، لكن ذلك الاختيار وتلك المشيئة التي تجري منا مرتبطان بمشيئة الله وتقديره، فنحن في فعلنا مختارون وفي مشيئتنا مضطرون ولهذا دليل في سورة النحل يقول الله جل وعلا (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون) فانتبهوا لهذا الإحكام في كلام ذي الجلال والإكرام كيف أنه أثبت لنا مشيئة وأن مشيئتنا مقيدة بمشيئته لكن لا ينفي ذلك المسئولية عنا، أي لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة على الحنفية السمحة، مسلمين أجمعين ولفظ (الأمة) يأتي في القرآن لخمسة معانٍ، ولا يخرج لفظ الأمة عنها في كتاب الله جل وعلا:
1) الملة: كقوله تعالى (إن هذه أمتكم أمة واحدة) أي ملة، ودينكم دين واحد وكالآية هنا، كقوله (كان الناس أمة واحدة ... ) أي على دين واحد.
2) الجماعة: كقوله تعالى (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يعقلون) أي جماعة.
3) القائد الإمام المتبع الذي بفرده يعدل أمة: كقوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين) سورة النحل آية 120.
4) الحين: وقد ورد هذا في آيتين من كلام رب العالمين في سورة هود (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) أي حين ومدة معدودة، ومنه قول الله تعالى في سورة يوسف (وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة) أي بعد حين ومدة.
5) الصنف: كقوله تعالى (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) أي أصناف أمثالكم.
أي هذه الدواب وهذه الطيور مثلكم في أي شيء؟! مثلنا في أنها تأكل كما نأكل وتشرب كما نشرب وتتناسل كما نتناسل، وتعرف ربها كما نعرف ربنا جل وعلا، فهذه أمم وتتعارف فيما بينهما كما نتعارف فيما بينها فالطيور يكلم بعضها بعضاً وهكذا الحيوانات لكن لا نحن نفهمها ولاهي تفهمنا، فهي أصناف وجماعات فالذكر يميز الأنثى ويعرفها، وهذه تعرف صاحبها وتعرف بيتها.
ولعل أحدكم عاش في قرية ورأى الغنم عندما يعود قبيل المغرب والله إنه ليوحد الله هكذا عفوياً من غير قصد، فتراه يعود بأعداد كبيرة مختلطة ببعض قبل دخول القرية، لكن عندما يدخلون القرية كل واحدة تعرف صاحبتها وبيتها ولا يحصل أي خلط أو خطأ فسبحان الله!! فهي أمم أمثالكم كما أننا نعرف بيوتنا دون أن نخطئ.
ولذلك يقول أبو محمد سفيان بن عيينة عليه رحمة الله وهذا من بديع استنباطه من كلام ربه، يقول في قوله تعالى (إلا أمم أمثالكم) أي وأنتم على شاكلتهم:
يقول ما حاصله: "وهذه المثلية لما انعدمت من حيث الشكل الظاهري والصورة الظاهرة، وتعين المصير إلى أن هذه المثلية في الحقيقة الباطنة، فبعضكم على خُلُقِ الأنعام وبعضكم على خُلُقِ الحمير وبعضكم على خُلُقِ الكلاب وبعضكم على خلق العقارب وبعضكم على خلق الحيايا وبعضكم على خلق الذئاب، وبعضكم على خلق الخنزير، وبعضكم وبعضكم ..... " فهذه البشر في الحقيقة صور للحيوانات فترى أنساناً أحياناً لا يأتي منه إلا الأذى لا يقول كلمة فيها ذكر الله ولا نفع لعبد من عباد الله، فهذا في الحقيقة عقرب، وكم من إنسان لا ينجب إنساناً إنما أنجب ثعباناً يلدغ، أو لم ينجب إلا ودلداً بليداً كالحمار، أو لا غيرة له (ديوث) كالخنزير، ومن الناس من يلد شاة وهذه في الحقيقة أحسن المماثلات.
ولذلك المرأة إذا كانت سكينة وساكنة وطاهرة فإنها تشبه بالشاة وهي أحسن الأوصاف والسكينة والأناة في الغنم، كما أن الغلظ والجفاء في الإبل، كما أن البلادة في الحمير، فكل واحد يأخذ شكل من يصاحبه.
ولذلك حرم الشارع علينا أكل لحم الخنزير، لأنك ستتأثر بلحمه وتأخذ خصائصه (عدم الغيرة) ولحم الإبل – مع أنه حلال – أُمرنا أن نتوضأ بعد أكل لحمه، لما يحدث في قلبنا من كبر وزهو وخيلاء كحال البعير عندما تراه يمشي ويتمايل فبالتالي يصبح مثل هذا بالإنسان فيتوضأ ليزيل هذا المعنى الذي علق فيه من أكل لحكم البعير، أما إذا أكل لحم الغنم فيكتسب سكينة وطمأنينة ولا يحتاج لوضوء.
وحقيقة الأمر كذلك الناس لا تختلف عن البهائم إلا في الصورة الظاهرة:
أبني إن من الرجال بهيمة ??? في صورة الرجل السميع المبصر
¥