[وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا] أي وإذا ذكر ما حصل بينهم من خلاف فأمسكوا. فحذار حذار من إطالة الكلام في الصحابة تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، بل نسأل الله أن يغفر لهم وأن يرحمهم وأن يجمعنا معهم في جنات النعيم، ولا مانع أن يخطئوا فهم بشر لكن حذار أن تشيع خطأهم وأن تتلذذ به، فهذا لا يفعله إلا من غضب الله عليه فإذا مر معك شيء من خطئهم في أثناء بحثك فقل كل بني آدم خطاء، ولهم حسنات، أعظم من الجبال الراسيات وما جرى من السيئات مغمور في بحار حسناتهم.
[وإذا ذكر النجوم فأمسكوا] أي ما يتعلق بها من إسعاد ونحاسة ونزول مطر ورياح وغير ذلك كما يستدل به المنجمون فهذا كله من هوسهم يقولون إذا وقع برج كذا صار كذا (خيراً) أو صار كذا (شراً) فهذا مما لا يجوز الخوض فيه، فالنجوم مدبَّرة لا مدبِّرة، فلا يستدل بها على شقاوة أو إسعاد أو خير أو شر، بل نقتصر على معرفة ما فيها من عبر وآيات جعلها الله لذلك منها أنها علامات لتستدل منها في ظلمات البر والبحر ومنها أنها زينة للسماء ومنها أنها تضيء السماء ونحو هذه العبر ولا نخوض في أكثر من ذلك والشبه التي تقع في قلبك أيها الإنسان هذه إذا وقعت فجاهدها وادفعها ولا حرج عليك في وقوعها – أي وقوع الشبه حينئذ – وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث رواه الإمام مسلم أيضاً من حديث ابن مسعود، رضي الله عنه، ولفظ حديث أبي هريرة: [أن رجالاً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله يجد أحدنا في نفسه () ما يتعاظم أن يتكلم به ولأن يخرمن السماء أحب إليه من أن يتكلم به، فقال صلى الله عليه وسلم: أوجدتم ذلك؟ قالوا نعم، قال: ذاك صريح الإيمان].
ولفظ حديث ابن مسعود: [سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة، فقال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ذلك محض الإيمان].
ذلك الذي تجدونه في أنفسكم صريح الإيمان أي خالص الإيمان، ومحض الإيمان أي خالص الإيمان، فكيف جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الوسوسة محض الإيمان وصريحه مع أنها مذمومة؟!.
نقول: إن الصحابة رضوان الله عليهم لما عرضت لهم الوسوسة لم يطمئنوا بها ولم يرضوها ولم يأنسوا بها بل جاهدوها وقاوموها، فإذن هم لم يرضوا بها ولذلك لم تكن مذمومة.
وهكذا أنت عندما تكره الوسوسة وتجاهدها لا ضير عليك في ذلك، ولا يخلو الإنسان من وجود وساوس في قلبه، لكن يذهبها بعد ذلك – إن شاء الله – الإيمان الحق.
ومعنى الحديث يتلخص في أمرين ومعنيين كما قرر الإمام النووي والقاضي عياض رحمه الله.
التأويل الأول: كراهية الوسوسة: لأنه يكرهها إلا مؤمن، فلولا الإيمان لما كرهتها.
التأويل الثاني: الشعور بالوسوسة دليل على الإيمان، فلولا الإيمان في نفس الإنسان لما وسوس الشيطان فالقلب الخرب لا يوسوس فيه الشيطان.
والمعنيان متلازمان فالمؤمن من يشعر بوسوسة فإذا شعر بها كرهها، فشعوره بها علامة إيمانه وكراهيته لها دليل على إيمانه.
والقلوب ثلاثة:
1 - قلب تام النور لا يقربه الشيطان لكرامته وطهارته، وإذا اقترب احترق كما لو أنه اقترب من السموات يرمي بشهاب ثاقب كقلب الأنبياء والصديقين، فقلب المؤمن التام النور أعظم حرمة عند الله من السموات.
2 - قلب خرب لا يقربه الشيطان لنجاسته، كقلوب الكافرين.
3 - قلب مريض فيه نجاسة وطهارة، فهذه يُقبل الشيطان عليها، كقلوبنا وهي حال أكثر قلوب المؤمنين، فيكر الشيطان عليها فأحياناً ينتصر وأحياناً ينكسر والمعصوم من عصمه الله.
وحال الشيطان مع القلوب كحال اللصوص مع البيوت في حياتنا، فالبيوت ثلاثة:
1) بيوت الملوك 2) بيوت خربة ما فيها إلا عذرة 3) بيوت عوام الناس
فاللص لا يقترب البيت الأول (بيت الملك) لما عليه من الحرس ولا يقرب البيوت الخربة لأنه لا يوجد فيها شيء يُسرق، وأما البيوت العادية التي ليست كبيت الملك وليست كالخرب فهذه يأتيها اللص ويحاول أن يسرقها إذا غفلت عنه، فإذا انتبهت لم يستطع سرقتها، وهكذا الشيطان يفعل فإذا كنت مؤمناً فغفلت مرة أتى على القلب وأغواه، وإذا ذكرت الله خنس ولذلك سماه الله الخناس.
¥