فالشيخ سلمان أدخل هذا المصطلح دون أن يعرّفه، بل إنه لم يبتدئ كما هي عادة العلماء وطلبة العلم بتعريف مفردات العنوان، وقد يكون الدافع لذلك هو طبيعة هذه المقالة حيث أنها مقالة أدبية تربوية شرعية عامة، وهذا، وإن كان مقصدا صحيحا، إلا أنه لا ينبغي أن يدفع إلى استعمال مصطلحات جديدة في هذا الباب، أو الميل إلى بعض الآراء التي تتصف بالضبابية، وتتجنب الوضوح والصراحة.
هذا، ولو أن هذه المقالة - وإن كانت عامة- استأنست بالمسلك العلمي لكان ذلك أدعى لتجنب هذه المصطلحات والعبارات الموهمة، ومن ثم الآراء المجانبة للصواب، فلب مقال الشيخ يفيد أن الولاء – ولو مقيدًا - رديف الحب، فحب الزوجة ولاء لها، وحب القريب الكافر ولاء له، ولم تمانع الشريعة في هذا، إذ هو أمر طبعي جبلي، وعليه فلم تمانع الشريعة من الولاء الفطري، وإنما مانعت الشريعة من الولاء الإسلامي، أو الولاء اللا إسلامي – إن صح التعبير أيضا - ..
مدلول الولاء وعلاقته بالحب
ذلك من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ الولاء كلمة لا ترادف كلمة الحب، بل الحب من مكوناتها أو من أفرادها، فليس كل حب ولاء، كما أنه ليس كل ولاء حبًا، وإنما الولاء معنى يجمع بين الحب، والنصرة، والانحياز، والكينونة، وإذا اتضح هذا، تبين الخطأ في مقالة الشيخ.
صحيح أن بعض أهل العلم عرف الولاء بالحب وحده، وقد يستشهد لذلك بقول شيخ الإسلام ابن تيمية ("أصل الموالاة هي المحبة، كما أنّ أصل المعاداة البغض، فإن التّحابّ يوجب التقارب والاتفاق، والتباغض يوجب التباعد والاختلاف، وقد قيل: المولى من الولي: وهو القرب، وهو يلي هذا، أي: هو يقرب منه.
والعدو من العدواء وهو البعد، ومنه العُدْوَة، والشيء إذا ولي الشيء ودنا منه وقرب إليه اتّصل به، كما أنه إذا عُدّي عنه، ونأى عنه، وبعد منه، كان ماضياً عنه") () لكن لا يظهر أبدًا أن شيخ الإسلام أو أحدا من ألئك أراد قصر الولاء على الحب فضلا عن جعله مرادفًا له، بل إنما قال أصل الولاء هو الحب، وهذا كقوله رحمه الله، إن أصل الإيمان عمل القلب، ولا يعني أن الإيمان ينتهي عند عمل القلب، ولا أن الولاء ينتهي عند الحب، وهذا بين واضح لكل من تأمل تعريفات العلماء للولاء لغة وشرعًا، سواء من المتقدمين أو من المتأخرين، وننقل هنا طرفًا يتضح به المقصود وإلا فإن موضوع الولاء والبراء، كتبت فيه كتب وأبحاث كثيرة، قد تجعل الكتابة الجديدة فيه مجرد تكرار ممل.
قال الراغب في المفرادات في غريب القرآن (الوَلاء والتوالي: أن يحصل شيئان فصاعداً حصُولاً ليس بينهما ما ليس منهما، ويُستعار ذلك للقُرْب من حيث المكان، ومن حيث النِّسْبة، ومن حيث الدِّين، ومن حيث الصداقة والنُّصْرة والاعتقاد) ()، ومثل ذلك جاء في لسان العرب، والتعاريف ().
وقال ابن منظور: "قال ابن الأعرابي: الموالاة أن يتشاجر اثنان فيدخل ثالث بينهما للصلح ويكون له في أحدهما هوىً فيواليه أو يحابيه. ووالى فلان فلاناً إذا أحبه ... وقد تكرر ذكر (المولى) في الحديث، قال: وهو اسم يقع على جماعة كثيرة فهو: الرب والمالك والسيد والمنعِم والمعتِق والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر والعبد والمعتَق والمنعَم عليه، وقد تختلف مصادر هذه الأسماء، فالوَلاية بالفتح في النسب والنصرة والعتق، والوِلاية بالكسر في الإمارة، والولاء في العتق، والموالاة من والى القوم، وقال: والولي: الصديق والنصير، ابن الأعرابي: الولي: المحب ...
والموالاة: ضدّ المعاداة، والولي: ضدّ العدو.
وتولاه: اتخذه ولياً، وإنه لبيِّن الوِلاة والولية والتولي والولاء والوِلاية والوَلاية.
والولي: القرب والدنو ... " ().
فإذا تأملنا هذا وغيره مما تكلم به العلماء بشتى أصنافهم، أمكننا أن نقول بأن ركن الولاية الأعظم هو الحب و النصرة مجتمعان، أو هو الحب فقط، والنصرة ركن ثان، كما أن القرب ركن ثالث، أو أن النصرة والقرب هي لوازم غير منفكة عن نوع من الحب يستولي على قلب صاحبه، فيكون نصيرًا، وقريباً، ومنحازًا إلى من تولاه ومعه، ولا أظن أن أحدًا يخالف في هذا المعنى، وهذه المقالة لا تحتمل حشد تلك النقول التي تفيد هذا، وبرجوع يسير إلى بعض المصادر التي تناولت هذه القضية يتبين ذلك.
¥