تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذا تأسس هذا، تفرعت عليه أمور أهمها أن الحب الفطري، كحب الزوجة أو القريب لا يناقض الولاء الشرعي، إذ هو حب فطري جزئي، لا يملكه الإنسان ابتداء، ولا يستلزم الولاء بمعناه الكامل المقتضي للنصرة، والانحياز، والمقاربة والدنو، وإنما يناقضه إذا استلزمه، أو غلب على الإنسان بحيث أحب محبوبه من جميع الوجوه أو أكثرها () فقاده ذلك لزامًا إلى الانحياز له، و حصل به معنى الحلف، أو حصل للمحب إيثار محبوبه على الخالق جل وعلا، وعندئذ وجب لصاحبه الذم، وكذا يمكن أن يقال في حب الأقارب ومن شابههم، فإذا انضمت إليه النصرة ضد المسلمين فهو التولي المخرج من الملة.

ويزداد وضوح هذا المعنى، حينما نتأمل مناط النهي عن الموالاة – وهذا من مجامع البحث في هذا الباب- وأنه وإن احتمل معنىً زائداً عن الكفر، إلا أن عددًا من النصوص أناطها بمجرد الكفر، وهذا ظاهر في قوله تعالى (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ) سورة آل عمران {28}، وفي قوله جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) () وَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) () فتلك آيات صريحة في النهي عن اتخاذ الكفار بشتى أصنافهم أولياء، دون أن تنيط ذلك بعداوتهم، أو عنادهم، ودون أن تقيد وصف الكفر المطلق بوصف آخر، ويشد من عضد تلك الدلالة، نصوص، قرآنية، ونبوية، وأثرية غير متناهية الحصر في مفارقة، ومباينة كل الكفار لما فيهم من وصف الكفر وظلمهم أنفسهم بسبب الكفر، منها تذكيرًا، قوله تَعَالَى (فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ()، وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ) () وَقَالَ تَعَالَى: (فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) () وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ).

فحمل هذه الأدلة المتكاثرة والمتعاضدة على أحد معنيين محتملين في أدلة أخرى تعسف لما فيه من إلغاء دلالتها مجتمعة، والمتقرر في علوم الشريعة إعمال الكل ما استطعنا، وحيث أنه لا تعارض بهذا الفهم بين الآيات التي أناطت تحريم الولاية بمجرد الكفر، وتلك التي حرمتها لوصف أو معنى زائد عن الكفر، فلا بد من المصير إلى إعمال الجميع، وعليه فلا يصح وقد نهى الله عن مجرد الموالاة لكافر كما في هذا الآيات، أن نلغيه، فلا يستقيم أن يجتمع ولاؤك لشخص مع كفره، سمّه ولاء طبيعيا أو فطريا، أو نحو ذلك، فلا يصح بهذا أن نحدث ما يمكن أن يعبر عنه بالولاء الفطري، ويلزمنا أن نبقى على ما نص الشارع عليه، وهو الحب من وجه كحال الزوجة والأقارب، ونحوها مما يكون الجامع فيه، وجود دافع فطري لمحبة جزئية.

والشيخ سلمان حفظه الله لم يوضح لنا على وجه التحديد مراده ب "الولاء الفطري"، ولا حدوده، ولا ضوابطه حتى يتضح المراد، فرجعنا في فهم كلامه إلى الأصل في معنى الولاء لغة، وقريب منه جدًا معناه شرعًا، لا سيما مع قرن الشيخ بين عبارتي الولاء الإسلامي، والولاء الفطري، ثم استعماله لعبارات أخر تؤكد ما ذكرنا، وسيأتي التنبيه على بعضها بمشيئة الله.

مناط البراءة من الكافر: ذات الكفر، أم المعاندة، أم المحاربة والعداوة؟

وقل مثل ذلك في مناط بغض الكافر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير