تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بهذه البقعة!! بل هذا الصنيع منه مخالف لمطلوب الشيخ، إذ حظ المكان المبارك أن يحترم ويكرم ويجنب مثل هذا الصنيع.

وعليه فلو أن الشيخ قد قال بجواز موافقة النبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله بأدائها حيث فعل ولو اتفاقاً من غير تحر للمكان لكان له سلف من السلف الصالح كابن عمر وغيره، مع قولنا بأن هذا الاجتهاد منه رضي الله عنه اجتهاد مرجوح وهو على خلاف رأي أبيه رضي الله عنه ورأي جماهير الصحابة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله:

(وكذلك ابن عمر كان يتحرى أن يسير مواضع سير النبي صلى الله عليه وسلم،وينزل مواضع منزله، ويتوضأ في السَّفر حيث رآه يتوضأ، ويصب فضل مائه على شجرة صبَّ عليها، ونحو ذلك مما استحبه طائفة من العلماء ورأوه مستحبا، ولم يستحب ذلك جمهور العلماء، كما لم يستحبه ولم يفعله أكابر الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود ومعاذ بن جبل وغيرهم لم يفعلوا مثل ما فعل ابن عمر ولو رأوه مستحبا لفعلوه كما كانوا يتحرون متابعته والاقتداء به.

وذلك لأن المتابعة: أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل، فإذا فعل فعلاً على وجه العبادة شرع لنا أن نفعله على وجه العبادة، وإذا قصد تخصيص مكان أو زمان بالعبادة خصَّصناه بذلك، كما كان يقصد أن يطوف حول الكعبة وأن يلتمس الحجر الأسود وأن يصلي خلف المقام وكان يتحرى الصلاة عند أسطوانة مسجد المدينة، وقصد الصعود على الصفا والمروة والدعاء والذكر هناك، وكذلك عرفة ومزدلفة وغيرهما.

وأما ما فعله بحكم الاتفاق ولم يقصده مثل أن ينزل بمكان ويصلي فيه لكونه نزله لا قصداً لتخصيصه بالصلاة والنزول فيه.

فإذا قصدنا تخصيص ذلك المكان بالصلاة فيه أو النزول لم نكن متبعين، بل هذا من البدع التي كان ينهى عنها عمر بن الخطاب.

كما ثبت بالإسناد الصحيح من حديث شعبة عن سليمان التيمي عن المعرور بن سويد قال: (كان عمر بن الخطاب في سفرٍ فصلى الغداة ثم أتى على مكان فجعل الناس يأتونه فيقولون: صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: إنما هلك أهل الكتاب أنهم اتَّبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعاً فمن عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض.

فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه، بل صلى فيه لأنه موضع نزوله، رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها ونهى المسلمين عن التشبه بهم في ذلك ففاعل ذلك متشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في الصورة ومتشبه باليهود والنصارى في القصد الذي هو عمل القلب، هذا هو الأصل فإن المتابعة في النية أبلغ من المتابعة في صورة العمل) (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة 201)، وهذا كلام متين، من إمام محقق فاستمسك به.

أما قول الشيخ بجواز التبرك بكل ما نزله النبي صلى الله عليه وسلم من الأمكنة فقول غريب، لا دليل عليه وليس بثابت في أفعال الصحابة كما قد تبين، وعليه فإن قول الشيخ -حفظه الله- في صنيع ابن عمر: (وذكرت الحديثَ الصحيح في البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وعن سالم ابنه، ونافع مولاه، تتبُّعهم للأماكن النبوية؛ ولاشك أن تتبُّعهم للتبرك، وإلا لم يكن له كبير معنى) غير صحيح كما قد تبين.

والتبرك عند الشيخ بهذه الأماكن على ثلاثة أنواع كما سبق الصلاة والدعاء والمكث، وإني لأتساءل ما فائدة المكث المجرد فيما نزله النبي صلى الله عليه وسلم من الأماكن لصلاة وغيرها، وأي خير يستفيده الإنسان من مثل هذا، هل يرجو الأجر بمجرد هذا الجلوس، أو الشفاء، أو الخير، أو ماذا؟! وهل جرى مثل هذا من أحد من الصحابة فتقصد أن يجلس في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أو مصلاه أو غير ذلك من منازله جلوساً مجرداً رجاء بركة البقعة!! هذا ما لا أعلم ثبوته عن واحد منهم رضي الله عنهم، وبهذا يتبين بطلان ما قاله الشيخ –حفظه الله- في تقرير هذه المسألة: (بل أقول أكثر من ذلك: إن التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم المكانية لا خلاف فيه طوال القرون الثلاثة المفضلة، وطوال القرون بعد ذلك، ولا أعلم أحدًا خالف في ذلك إلا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله).

والخلاصة أن ما كان يجري من ابن عمر وأمثاله إنما هو المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم في الهيئة الظاهرة فيفعل مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في المكان الذي فعل، وهذا على خلاف رأي الشيخ الذي يعلل ذلك بالتبرك كما سبق، وعلى كلٍ فجماهير الصحابة وساداتهم على خلاف صنيع ابن عمر، بل إن عمر رضي الله عنه قد أنكر على من فعل مثل صنيع ابنه كما تقدم مراراً.

هذا ما تيسر ذكره من ملاحظات حول تعقيب الشيخ عبدالعزيز القاري -غفر الله له- على أخيه الشيخ علوي السقاف، وإني لأدعو الشيخ أن يتأمل في المسألة ويراجعها وينظر لعل شيئاً فاته، ولعل فيما ذَكر ما يستحق أن يستدرك، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يهدينا، ويغفر لنا، ويرحمنا، اللهم رب جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات و الأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

بقلم: عبدالله بن صالح العجيري

إمام مسجد الصابرين بحي الجامعة بمدينة الظهران

[email protected]

المقال منشور في موقع الألوكة

http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=596

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير