تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

11) أختم مقالتي هذه بهذه النقطة -بعدما تقدم- للتأكيد على مسألة غاية في الأهمية وهي أن ثمة فرقاً حقيقياً بين من يستدل الشيخ بأفعالهم من السلف وما يذهب إليه -حفظه الله- في هذه المسألة، فالشيخ يرى أن الاعتبار في التبرك بالآثار النبوية المكانية هو سريان البركة فيها، ولذا فهو يرى مشروعية الصلاة والدعاء والمكث بها لبركة المكان، ولا فرق لديه بين أن يكون المكان مما أحدث فيه النبي صلى الله عليه وسلم عبادة أو لم يحدث، وبين أن يكون قاصداً للمكان لإحداث العبادة أو غير قاصد، فكل مكان لبث فيه النبي صل الله عليه وسلم ولو لبرهة فيشرع أن يتبرك بها -أي بالصلاة والدعاء والمكث- ولا يختلف الحكم بين مكان صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم أو دعا أو جلس، فمجرد مكث النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المكان هذه الخصوصية، ولذا يقول الشيخ مبيناً حقيقة الأماكن النبوية: (أي الأماكن التي وطئتها قدماه الشريفتان، صلى فيها، أو مكث بها ولو لبرهةٍ)، ويقول مبيناً سريان بركة النبي صلى الله عليه وسلم لكل ما مسه صلى الله عليه وسلم ووطئته قدماه: (فالنبي صلى الله عليه وسلم جسده الشريف كله بركة، وما انفصل من جسده فهو مبارك كشعره وعرقه ودمه، وما باشر جسده الشريف تسري إليه البركة كجبته وقصعته، والتراب الذي وطئه، وما لامسته يداه كرمانة المنبر، وتسري بركته صلى الله عليه وسلم إلى المكان أيضاً، مثل مصلاه، وبيته وحجرته، والمواضع التي صلى فيها، أو التي مكث بها، قال ابن حجر: ولو لبرهة- وقد بينّا ذلك: وأوضح مثال لهذا المدينة النبوية كلها، بوركت بوجوده فيها صلى الله عليه وسلم بذاته وبجسده الشريف، فالتراب والجدار الذي باشره يتبرك به إذا وجد، ويتبرك بقصد المكان للمكث فيه أو الصلاة فيه .. كما نقلنا عن السلف، فلا معنى لنفي البركة عن المكان)، فهذا هو المعنى الذي لأجله يرى الشيخ جواز التبرك بالآثار النبوية المكانية، ولست أدري لما اقتصر الشيخ على ثلاثة أنواع من التبرك دون غيرها، إن كان الأمر كما ذكر، ولما لا يبيح التمسح بالمكان الذي لبث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ومسه، ما دام مباركاً وما الفرق حقيقة -إن كان الأمر كما يدعي- بين رمانة منبره والأرض التي جلس عليها ما دامت البركة سارية فيها، ثم ما الدليل على دعوى الشيخ هذه أن بركته تسري لكل مكان لبث فيه؟!

أما إذا تأملنا في أحوال من يستدل الشيخ بأفعالهم من سلفنا الصالح –كابن عمر وغيره- فسنلحظ أنهم كانوا يفعلون ما يفعلون لا طلباً لبركة المحل والمكان وإنما تحرياً لأفعال النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يأتوا بها على وجه الموافقة التامة في هيئتها وصفتها ومكانها وزمانها إن قدروا عليه، فتأمل صنيع سلمة وتحريه للصلاة حيث كان يتحرى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي، وكذا جابر كان يدعو في المكان الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، فلا سلمة بالذي اقتصر على الدعاء أو مجرد المكث في ذلك المكان ولا جابر بالذي حرص على الصلاة أو مجرد المكث في المكان الآخر، وهذا المعنى أوضح ما يكون في سيرة ابن عمر والذي كان لشدة تحريه يتقصد أن يصلي حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويتقدم في المواقف بعرفة وغيرها إلى المواضع التي كان النبي صلى الله عليه وسلم قد وقف فيها، ويقول برأس راحلته بمكة يثنيها ويقول: لعل خفاً يقع على خف، بل ويبول في المكان الذي بال فيه النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قيل فيه رضي الله عنه وعن شدة تتبعه لآثار النبي صلى الله عليه وسلم: (لو رأيت ابن عمر يتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم لقلت مجنون)، فهل كان هذا الاتباع منه تبركاً بالبقعة أم هي المتابعة والموافقة للنبي صلى الله عليه وسلم في فعله بالمكان الذي فعل، فلم يكن ابن عمر ولا غيره يفعل هذه الثلاث (الصلاة والدعاء والمكث) في كل مكان نزله النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان لا يفعل فيها إلا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وفرق عظيم بين ما يقول به الشيخ وما وقع من بعض الصحابة من تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا بين بحمد الله، وإلا فهل كان ابن عمر يفعل واحداً من هذه الثلاث في المكان الذي نزله النبي صلى الله عليه وسلم ليبول!! وهل بوله حيث بال النبي صلى الله عليه وسلم دال على تبركه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير