أ ـ أن هذه التراتيب ليست لازمة في بعض الأحوال لما اعتبرت به من المقولات العقدية، وهذا ما قرره الإمام ابن تيمية في كلامه عن جملة من مسائل التكليف الأصولية التي بنيت على الخلاف العقدي في القدر بين المعتزلة و الأشعرية وهذا المعنى أشار إليه بعض محققي نظار المتكلمين و الأصوليين، و ثمت قدر من هذه التراتيب هو معتبر بالمقولات العقدية بلا منازعة.
ب ـ أن هذه التراتيب المبنية على المقولات العقدية تصاغ كثيراً في الكتب الأصولية خلافاً بين الحنفية والشافعية و تراها من حيث المبنى أو الذكر خلافا بين المعتزلة و الأشعرية في الكتب العقدية، وعند التحقيق فإن أئمة المذاهب الفقهية كالشافعي و أبي حنيفة ليسوا على اتصال بهذا التقرير الأصولي المرتب وكذا كبار أصحابهم المتقدمين،ويقع في كثير من كتب الأصول المتأخرة مقالات مخالفة لمذهب الأئمة المتقدمين -الأئمة الأربعة وغيرهم هي عند التحقيق مقالات للمعتزلة أو نحوهم من الطوائف الكلامية المخالفة لمقالات أئمة السلف أهل السنة والجماعة.
2 - المورد الثاني المؤهل للمراجعة والتصحيح في الكتب الأصولية: تأثر كثير من هذه الكتب ولا سيما في الطور الثاني من تصنيفه بعلم الكلام.وهو علم أنتج من قبل جملة من النظار لتقرير رأيهم العقدي في الإلهيات من حيث الأصل ثم استعمل في مسائل القدر،واستعمله كثير من متأخري المتكلمين في تقرير مسمى الإيمان و جملة من مسائله.
وقراءة هذا العلم من التكوين ليس هذا محل يراد له إلا أن من المتحقق أن أئمة المذاهب من المحدثين والفقهاء الأوائل كانوا طاعنين في هذا العلم ومن هؤلاء الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي و أحمد) و كبار أصحابهم المتقدمين، وطعن هؤلاء في هذا العلم محفوظ بالأسانيد التي رواها المصنفون في أصول السنة من كبار أصحاب الأئمة، وقد ذكر أبو إسماعيل الأنصاري الهروي نقلاً متواتراً عن الأئمة المتقدمين في ذم هذا العلم في مصنفه " ذم الكلام " وقد صرح بهذا التحقق كثير من حذاق متكلمة الأشعرية كالجويني و الغزالي و الشهرستاني، لكنهم يتأولون مقصد الشافعي وأمثاله في ذمهم بما لا ينافي اتخاذهم له مع انتحالهم قول الشافعي في الفقه وأصوله.
وهذا العلم " علم الكلام " قد كدّر علم أصول الفقه، كما هيأ للاضطراب والتهوك في أصول الدين عند أربابه السالكين له كما صرح بذلك الشهرستاني في مقدمة كتاب نهاية الإقدام، والرازي في كتابه أقسام اللذات، والجو يني والغزالي من قبل، فليس هذا التصور من إملاء مخالفي المتكلمين فحسب بل قد شهد به كبار رواده،بل مما يعلم أن الطعن في علم الكلام مجمع عليه بين أئمة السلف رحمهم الله.
3 - المورد الثالث: إدخال مسائل نظرية مجردة في كثير من كتب أصول الفقه ليست من المقولات العقدية أو الأصولية بل هي مسائل مجردة و الخلاف فيها جمهوره نظري بل كثير منه لا ثمرة له حتى نظراً وهذا يقع في مسائل مقولة في المقدمات الكلامية و النظرية و اللسانية، خاصة أن كثيراً من هذا النزاع المذكور يُنصب مع شذاذ في تاريخ المعرفة والفكر كالسفسطائية، والسمنية وأمثالها من أصحاب الاتجاهات الفلسفية البائدة.
وهذا المورد كثير منه إنتاج لعلم الكلام ودخوله في الصياغة الأصولية كما صرح بذلك الغزالي في مقدمة المستصفى، وذكر أنه يذكر من هذا القدر اللائق وإن كان نقد كثيراً ممن قبله من متكلمة الأصولية الذين أسرفوا في هذا الخلط حسب عبارة الغزالي ثم شرع في رسم مقدمته المنطقية.
ونقد هذه المسائل النظرية المجردة أشار إليه جمع من الأصوليين كالجويني في البرهان والغزالي في المستصفى وابن حزم في الأحكام و الشوكاني في إرشاد الفحول وغيرهم وإن كان هؤلاء حكوا ما هو من ذلك وذكروه مع انتقادهم لبعض صوره.
ويعد الشاطبي من مقدمي نقاد هذا النوع، المتباعدين عنه.
4 - المورد الرابع: المنطق الأرسطي المترجم وأثره في بناء و صياغة أصول الفقه عند كثير من متكلمة الأصولية. وفي التقدير الشخصي أن أثر المنطق الأرسطي لم يختص في كثير من المصنفات الأصولية التي كتبها النظار بنسق البناء وصورة الصياغة بل شارك في تشكيل العقل الأصولي في الطور الثاني لهذا العلم، كما تقرأ هذه الإشارة عند كثيرين ومن أخصهم الغزالي صاحب المستصفى.
¥