[الاجتهاد ...]
ـ[حمزة الكتاني]ــــــــ[17 - 12 - 05, 04:05 ص]ـ
روينا بالأسانيد المتصلة إلى سيدنا علي بن أبي طالب عليه السلام مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يحمل هذا العلم من كل خلف عُدُوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين" (1). يعد هذا الحديث الشريف من علامات النبوة، ومن الأحاديث الكريمة التي أثبتت اتصال العلم الشريف وحفظه وبقاءه، علاوة على قول الله تعالى عن الوحي الكريم: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. [الحجر: 9]. والقرآن – كما لا يخفى – إشارة للدين ككل، وهو من باب إضافة الخاص على العام.
فقد تكفل الله تعالى بحفظ دينه إجمالا، وعصمته من طوارق الحدثان عليه، وشقشقات وهذيان أهل الدسائس والمكر والزيغ، فلا يأتي زمن تبرد فيه جذوة الشريعة الإلهية، وتتفصم فيه عرى الدين المحمدي إلا ويبعث الله تعالى من يجدد أمر الدين، ويحيي دارسه، ويبعث الروح في أطرافه، وهو مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو داود والحاكم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: "إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" (2).
ومقتضى هذا التجديد والحفظ: صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، وقيوميته بحل جميع المشاكل الصغرى والكبرى في جميع المجالات، إذ هو دين الله تعالى خالق الملوين، ومدبر أمور العالم، ورب العالمين ومربيهم، إذ لا تجديد مع ركود، ولا حفظ مع عدم صلاحية.
فالإسلام إنما جاء بنظريات عامة، وشرائع مرنة، تتكيف مع كل زمان ومكان، وشعب وجنس، بحيث جعل الله تعالى شرائعه متعلقة بمفاصل النفس البشرية، ومجامع النوع الإنساني، تلك التي يمكننا تسميتها بـ: نقاط الالتقاء بين الطبائع البشرية، ولا شك أنه علميا كل نقطة التقاء تتضمن مجموع الصفات التي تعود نفسها لكل طرف من الملتقيات، ففلسفة العالم إنما تكمل وتكتسب الشمول عندما تغطي أكبر قدر من نقط الالتقاء، وكلما زادت معرفة المنظر باختلاف العالم واتفاقه؛ كلما تمكن من حشذ القواعد المتعلقة بنقط الالتقاء، وبذلك تعميم نظريته على أكبر شريحة من المجتمعات.
وحيث إن الله تعالى خالق الكون ومبدعه، علام الغيوب، العليم الحكيم؛ فإنه – سبحانه – خص شريعة نبيه الذي جعله خاتم أنبيائه، ورحمة للعالمين إلى يوم القيامة؛ بالشمولية والصلاحية لكل زمان ومكان، عن طريق معرفته تعالى بجميع نقط التقاء واختلاف الأكوان، بله الإنسان. ومن هنا احتوت الشريعة الإسلامية على معنى الديمومة والمرونة والشمولية.
ونظرا لتطور الزمان بتطور المجتمعات، وتطور حاجيات المجتمعات ومشاكلها نظرا لتطور الزمان، ونظرا لصلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان؛ اقتضى ذلك وجوب تطورها بتطور البشرية، وخلقها لحلول مختلف المشاكل التي تنتاب الإنسانية؛ وهو ما يسمى: الاجتهاد.
فالاجتهاد هو: الرجوع إلى المسلمات لابتكار حلول للحوادث. فيقتضي وجود مسلمات؛ وهي: أصول التشريع، ووجود حوادث؛ وهي: تطور الزمان، ووجود حلول؛ وهي: الأحكام الشرعية المتعلقة بالمتغيرات، ووجود مبتكر الحل عن طريق إضافة المسلمة إلى الحادثة؛ وهو: المجتهد. ومن هنا استحال انقطاع الاجتهاد - عقلا ونقلا- في أي زمان وأي مكان!.
ولذلك فإني أرى أن الاجتهاد لم ينقطع قط في تاريخ الفقه الإسلامي، وأنه في كل زمان زمان وجد مجتهدون، فقهاء متبحرون يعملون القواعد الشرعية في الحوادث الوقتية لتبيين حكم الله تعالى فيها، وأن الحملة التي أقيمت في بداية القرن العشرين – الميلادي – إنما كانت حملة استشراقية استعمارية أريد بها خلق جيل يتنكر لجميع المباديء والأسس التي بني عليها الفقه الإسلامي، والحط من نظرة التعظيم والتقديس التي كان المجتمع يراها في علمائه ورجالات الدين. هذا من ناحية.
¥