[تخصيص القول العام بالفعل (للمدارسة)]
ـ[المحقق]ــــــــ[10 - 07 - 03, 01:40 م]ـ
إخواني الكرام ..
من مباحث أصول الفقه العام و التخصيص و من مسائله:
تخصيص العام بأفعال الرسول صلى الله عليه و سلم
فمثلا: لو حرم النبي صلى الله عليه و سلم باللفظ العام ثم فعل بعضا مما يندرج تحت العموم، فإن جماعة من الأصوليين يقولون هنا: بالتخصيص.
الموضوع المراد بحثه:
هل يجوز تخصيص العام بفعل لا يعارض العموم بل يوافقه إيجابا أو سلبا ..
يعني قصر أفراد العام على أفعال المصطفى صلى الله عليه و سلم؟؟
أرجو المباحثة مع التوثيق ..
و لعلي أرى مشاركة المشايخ الفقيه و ابن وهب
ـ[ابوفيصل]ــــــــ[16 - 07 - 03, 02:20 ص]ـ
قال العلامة ابن عثيمين في المجلد الثالث من الممتع عند الكلام على تحريك السبابة في الجلوس بين السجدتين:
لدينا قاعدة ذكرها الأصوليون، وممن كان يذكرها دائماً الشوكاني في «نيل الأوطار» والشنقيطي في «أضواء البيان» أنه إذا ذُكِرَ بعضُ أفراد العام بحكم يُطابق العام، فإن ذلك لا يَدلُّ على التَّخصيص، إنما التخصيص أن يُذكر بعضُ أفراد العام بحكم يُخالف العام.
مثال الأول: قلت لك: أكرمِ الطَّلبةَ، هذا عام يشمل كلَّ طالب، ثم قلت: أكرم فلاناً وهو من الطلبة، فهل يقتضي هذا ألَّا أُكْرِمَ سواه؟ الجواب: لا، لكن يقتضي أن هناك عناية به من أجلها خَصَّصْتُهُ بالذِّكر.
ومثال الثاني: أكرمِ الطَّلبةَ، ثم قلت: لا تكرم فلاناً وهو من الطلبة، فهذا تخصيص؛ لأنني في الأول ذكرت فلاناً بحكم يوافق العام لدخوله في العموم، وهنا ذكرته بحكم يخالف العام، ولهذا يقولون في تعريف التَّخصيص: تخصيص بعض أفراد العام بحكم مخالف. أو: إخراج بعض أفراد العام من الحكم. فلا بُدَّ أن يكون مخالفاً، أما إذا كان موافقاً فإن جمهور الأصوليين كما حكاه صاحب «أضواء البيان» يرون أنه لا يفيد التَّخصيص.
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[16 - 07 - 03, 03:18 ص]ـ
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
قوله: «ومتنفِّلٍ راكبٍ سَائرٍ في سَفَرٍ»، هذه هي المسألة الثَّانية، «المتنفِّل» أي: المصلِّي نافلة إذا كان راكباً، واشترط المؤلِّف شرطين:
أحدهما: أن يكون سائراً.
الثاني: أن يكون في سفرٍ.
فأمَّا الماشي فسيأتي حكمُه.
وعُلِمَ من كلامه أن النَّازل في السَّفر يلزمه استقبال القِبْلة، وأنَّ السَّائر في الحضر يلزمه استقبال القِبْلة.
فإذا قال قائل: هذا استثناء من عموم نصوص الكتاب والسُّنَّة، فقد قال الله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه) (البقرة: من الآية150). وهذا عموم من أقوى العمومات، فإنَّ قوله {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ) (البقرة: من الآية150)} جملة شرطيَّة من أقوى العمومات؛ فما الذي أخرج هذه الحال من هذا العموم؟
فالجواب: أخرجتها السُّنَّة؛ بفعل الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام، فقد ثبت في «الصَّحيحين» وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي النَّافلة على راحلته حيثما توجَّهتْ به، غير أنَّه لا يُصلِّي عليها المكتوبة، فهذه السُّنَّة خصَّصت عموم الآيات والحديث.
فإن قال قائل: أفلا يُمكن أن يكون هذا قبل وجوب استقبال القِبْلة؟
قلنا: لا يمكن؛ لأنَّ الصحابة استثنوا الفرائض، فدلَّ هذا على أنَّه بعد وجوب استقبال القِبْلة.
فإذا قال قائل: ما نوع هذا التَّخصيص؟ قلنا: هذا في الحقيقة من غرائب التَّخصيصات؛ لأنه قرآنٌ خُصَّ بسُنَّةٍ، وقولٌ خُصَّ بفعلٍ، يعني: لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: من تنفَّلَ في السَّفر فلا يستقبل. ومعلومٌ أن تخصيص قول بفعلٍ، أضعف من تخصيص قول بقول؛ لاحتمال الخصوصية، ولاحتمال العُذر، بخلاف القول.
وأيضاً: تخصيص القرآن بالسُّنَّة أضعف من تخصيص القرآن بالقرآن.
ولكن نقول: إن السُّنَّة تكون من الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر الله الصَّريح؛ أو بأمره الحُكمي الذي يُقِرُّ الله فيه نبيَّه على ما قالَ أو على ما فعلَ، ولهذا إذا فعل الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام شيئاً لا يُقِرُّهُ الله عليه بَيَّنَه، كما قال الله تعالى له: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) (التوبة:43)، وقال تعالى) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك) (التحريم: من الآية1)، وقال (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاه) (الأحزاب: من الآية37).
فإذاً؛ نقول: إن فعل الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام في تَرْكِ استقبال القِبْلة في التنفُّل في السَّفر كان بأمر الله الحُكمي؛ لأنه أقرَّه، فيكون ما جاءت به السُّنَّة كالذي جاء به القرآن تماماً في أنه حُجَّة.
" الشرح الممتع " الجزء الثاني
¥