[دراسة في أصول الفقه.د. علي أحمد محمد با بكر.]
ـ[أبوحاتم]ــــــــ[07 - 03 - 04, 10:23 ص]ـ
مجلة الجامعة الإسلامية. العدد: (46)
1 - أهميّة علم الأصول وخصوبته ..
الحياة البشرية على الأرض بثقلها ومسؤولية الحفاظ على توازنها ليس هينة العبء ولا سهلة القياد، وذلك لما تتضمنه من عمق وتشعّب ودقة، وما تزدحم به من رغبات تتفق وتختلف، ومصالح تتعارض وتصطلح، ومطامح تلتقي وتفترق، وأمزجة تصفو وتتكدر، وأصناف من السلوك، وأنواع من الظروف، وبما فيها من شعوب تتباين استعداداتها وأهدافها، وقبائل تتنوع مساعيها، وبما يعتريها من أحداث الزمن وتقلبات الأيام وصروف الدهر، وبما يلابسها من لمسات الخير ووخزات الشر، وما ينتظمها من حركة لا تتوقف، وبما تتطلبه من علاقة بمبدع الوجود وعلائق بالمخلوقات عموما وبين البشر على وجه الخصوص.
هذه الحياة لا بد لها من ميزان تنضبط به أمورها وترجع إليه مبهماتها وتوزن به اختلافاتها، وتقاس به جميع حالاتها.
ولقد وهب الخالق سبحانه وتعالى للإنسان العقل ليميز به ويزن به الأمور، ولكنه لم يترك هذا العقل يتخبط وحده في متاهات الحياة، والعقل عرضة للتأثر باضطرابات النفوس واعتلال الأجسام ومؤثرات البيئة الخ، فجاء عونه تعالى للعقل البشري ببيان مرتكزات مصالح البشر التي تشمل مصالحهم في الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة، فبيّن للناس أصول النظم التي يسيِّرون بها الحياة ويبصرون بها الطريق حتى يحقق الإنسان معنى خلافته في الأرض.
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [1].
وحتى يستطيع الاهتداء والسير بلا عثرات، وحتى يطمئن للغايات الصالحة.
كان هذا العون الإلهي للعقل البشري عن طريق وحيه تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام وعصمته له، فتجلت في القرآن الكريم والسنة الشريفة أصول الأحكام الفقهية ومرتكزاتها، فقد فصل لنا هذان المصدران ما فصّلا من الأحكام وتضمّنا من المبادئ والقواعد والتوجيهات العامة ما يقود العقول إلى سواء السبيل.
وبمجهودات الصحابة رضوان الله عليهم وما نقلوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم من شرح وتوضيح وتوجيه، وبمجهودات أئمة الأجيال التي أعقبت الصحابة رضوان الله عليهم جاء البيان لهذه المصادر واتضحت المناهج التي يمكن اتباعها لاستمداد الأحكام التي يعتمد عليها الناس في مسارهم، وبذلك تكوّن علمٌ ذو شأن خطير وأهمية بالغة هو علم أصول الفقه الإسلامي.
ومن المعلوم أن الفقه الإسلامي الذي يقوم على هذه الأصول هو ميدان فسيح يشتمل على إجابات لجميع شؤون الناس وحاجتهم، ومن هنا يمكن للناظر إدراك أهمية علم الأصول وخطورته والمكانة الرفيعة التي يحتلها بين العلوم، لأنه الأساس للأحكام التي تحدد مسار الخلق وترسم طريقهم الموصل لبلوغ مصالحهم قبل الممات وبعد الممات.
وكما يتوصل بعلم الأصول لمدارك الأحكام ومسالكها كذلك يتوصل به لمقاصد الأحكام وأهداف الشريعة وروحها مما يطمئن القلوب والعقول.
ولعله مما يفيد في هذا المقام أن ننقل ما أورده الإمام الأسنوي [2] في كتابه التمهيد حيث قال:
"وبعد فإن أصول الفقه علم عظم نفعه وقدره، وعلا شرفه وفخره، إذ هو مثار الأحكام الشرعية ومثار الفتاوى الفرعية التي بها صلاح المكلفين معاشا ومعادا. ثم إنه العمدة في الاجتهاد، وأهم ما يتوقف عليه من المواد كما نص عليه العلماء ووصف به الأئمة الفضلاء، وقد أوضحه الإمام [3] في المحصول فقال: "يشترط فيه - أي علم الأصول – أمور هي: أن يعرف من الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام، ويعرف المسائل المجمع عليها، والمنسوخ منها، وحال الرواية، لأن الجهل بهذه الأمور قد يوقع المجتهد في الخطأ. وأن يعرف اللغة إفرادا وتركيبا لأن الأدلة من الكتاب والسنة عربية. وأن يعرف شرائط القياس لأن الاجتهاد متوقف عليه، وكيفية النظر وهو ترتيب المقدمات .. .. .. وأما شرائط القياس وهو الكلام في شرائط الأصل والفرع وشرائط العلة وأقسامها ومبطلاتها، وتقديم بعضها على بعض عند التعارض فهو باب واسع يتفاوت فيه العلماء تفاوتا كبيرا، ومنه يحصل الاختلاف غالبا مع كونه بعض أصول الفقه".
فثبت بذلك ما قاله الإمام أن الركن الأعظم والأمر الأهم في الاجتهاد إنما هو علم أصول الفقه" [4].
الخصوبة في علم الأصول:
¥