تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[كلمات في المصلحة المرسة والفرق بينها وبين البدعة]

ـ[جليس العلماء]ــــــــ[16 - 07 - 02, 04:03 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه أجمعين.

فإن موضوع المصالح المرسلة، والفرق بين بابها وباب البدع مما يخلط فيه بعض الإخوة؛ فيسوقهم هذا الخلط لإنكار بعض المشروعات، أو إقرار بعض المبتدعات بدعوى تحقق المصلحة.

ولست أريد الكلام تفصيلا على مسألة المصالح المرسلة – لأنها مبحوثة بكثرة – وإنما أردت التعريف بالمصالح، والتنبيه على الفرق بين المصالح المرسلة، والبدع، مع تطبيق لكثير من المسائل المعاصرة على تلك الفروق.

اعلم: أن المصلحة إما أن تكون (*):

1) ملغاة: وهي المصلحة التي ألغاها الشارع، ولم يعتد بها: كمصالح البيع التي تتحقق في الربا، قال تعالى عن المشركين: {ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا}؛ فرد عيهم: {وأحل الله البيع وحرم الربا}.

فالقول بجواز الفوائد الربوية " الربا" بحجة أن فيه تحقيق عدة مصالح اقتصادية، لا يقوم سوق الاقتصاد إلا بها!! قول باطل، لأن هذه المصلحة ملغاة للمفاسد المترتبة على الربا، والتي نبه عليها الشارع الحكيم.

ومصادمة هذه المصلحة المزعومة للنص الشرعي كاف في إبطالها.

وكذا المصلحة المتوخاة في شرب الخمر، وهي مصلحة منصوص عليها: {يسألونك عن الخمر والميسر. قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس}.

ثم نُسخت بقوله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ... }.

فأصبحت المنافع المذكورة في الآية الأولى ملغاة: بالنهي الوارد في الآية الثانية؛ فتأمل.

2) أو معتبرة: وهي المصلحة التي اعتبرها الشارع، وأقرها، فيقال هي مصلحة معتبرة، ولا عبرة بمن يحاول الطعن فيها.

وذلك نحو: قتل أولاد المشركين، وأزواجهم إن تمنعوا عن الاستجابة لدعوة للمسلمين، وهي – أي المسألة – ما تعرف باسم: تبييت المشركين.

بل إن باب الجهاد بأكمله يُعد من هذا النوع.

ومنه مصلحة التجارة في الحج، والسلب والغنائم في الجهاد؛ فكلها مصالح معتبرة، لا تُنغص على الإخلاص، والتجرد.

3) النوع الثالث: المصلحة المرسلة، وتُسمى بالمرسل، والاستصلاح، وبالاستدلال، وبالمصالح المرسلة.

وقد عرَّف الآمدي المصلحة المرسلة بأنها: " المناسب الذي لم يشهد له أصل من أصول الشريعة بالاعتبار بطريق من الطرق المذكورة، ولا ظهر الغاؤه في صورة، ويُعبر عنه بالمناسب المرسل" الإحكام له (3/ 262).

وقال الأسنوي في نهاية السول (3/ 136):" إن المناسب قد يعتبره الشارع، وقد يلغيه، وقد لا يُعْلم حاله، وهذا الثالث هو المسمى بالمصالح المرسلة، ويُعبر عنه بالمناسب المرسل".

وسميت مرسلة؛ لأنها أُطلقت، فلم تقيد بدليل اعتبار أو دليل إلغاء.

ونظراً لتجدد حاجات الناس، وعدم تناهيها وانحصار جزئياتها، وتجدد كثيراً من النوازل والحوادث التي تتغير من زمان لآخر؛ كان النظر في كثير من هذه النوازل متروك لنظر الفقهاء، لقياسه على أصول الشريعة الثابتة المضطردة.

وهذه النوازل يختلف الحكم بها من زمان لآخر، فإطلاق قول واحد فيها خطأ محض، كما أن تعميم أحكامها على جميع الأزمان والأمكنة خطأ آخر.

واعلم أن المصالح المرسلة:

1) إما أن يكون لها أصلٌ يشهد باعتبارها، فهذا النوع يُسميه بعض العلماء: المرسل الملائم، لملاءمته لمقاصد الشريعة.

وهذا لا خلاف فيه بين الأئمة الأربعة، وأتباعهم إطلاقاً.

لأن من يأبى تسميتها بالمصلحة، يسميها قياساًَ.

2) النوع الثاني: أن لا تشهد لهذه المصلحة أدلة الشريعة بالاعتبار، مع عدم منافاة أدلة الشريعة لها.

وهذا ما يسميه بعضهم: بالمرسل الغريب، وهو الذي وقع في الخلاف بين العلماء، كما هو مشهور، واشتهر بالقول به المالكية، وبعض المحققين؛ كشيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية، وابن القيم، وابن فرحون المالكي، وغيرهم، ومما فرعوا عليه جواز التعزير بالقتل، وهو بحث كتبته أثناء المرحلة الجامعية.

وهذه فائدة اشدد يديك عليها، فقلما تجد عليها تنبيهاً، فضلا عن التصريح، ويقع الخلط بينها، والخطأ في التفريع عليها.

بعد هذه المقدمة اليسيرة أقول:

لقد وضع العلماء – رحمهم الله – عدة ضوابط للتفريق بين المصلحة المرسلة، والمفسدة، وللتفريق بين باب المصالح، والبدع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير