وهذا حسين أحمد أمين يقرر أن الحجاب "وهمٌ صنعه الفرس والأتراك، وليس في القرآن نص يحرم سفور المرأة أو يعاقب عليه" (4).
والدكتور الترابي يقصر الحجاب على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقط. والاختلاط مباح في عرف العصرانيين؛ إذ "ليست الحياة العامة مسرحاً للرجال وحدهم، ولا عزل بين الرجال والنساء في مجال جامع".
"وتجوز المصافحة العفوية التي يجري بها العرف في جو طاهر وذلك عند السلام ـ كما يزعم" (5).
وفي ذلك مخالفة لأحاديث صحيحة وصريحة؛ فقد جاء في الحديث الشريف عن أميمة بنت رقيقة قالت: "جئت النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة نبايعه، فقال لنا: "فيما استطعتن وأطعتن؛ إني لا أصافح النساء" (6).
ويرى الترابي كذلك أن للمرأة أن تسقبل ضيوف الأسرة وتحدثهم وتخدمهم وتأكل معهم" (7).
ويدعو الدكتور محمد فتحي عثمان إلى ما يسميه الاختلاط المأمون؛ لأن المجتمع الذي يلتقي فيه الرجال والنساء في ظروف طبيعية هادئة، لن يغدو مثلُ هذا اللقاء قارعة تثير الأعصاب؛ إذ سيألف الرجل رؤية المرأة ومحادثتها، وستألف المرأة بدورها الرجل، وتتجمع لدى الجنسين خبرات وحصانات وتجارب (8).
وواقع المرأة المزري في ديار الغرب مما ينقض هذا الرأي.
ودعا العصرانيون إلى مشاركة المرأة في السياسة والقانون والتجارة والاقتصاد بلا قيود، ويرون جواز مشاركتها في الانتخابات والمجالس النيابية؛ بل ويرى بعضهم ولاية المرأة للقضاء، وحتى الولاية العامة جائزة عند العصرانيين بإطلاق (1).
إلغاء أحكام أهل الذمة:
لقد أكثر العصرانيون من الحديث حول حقوق أهل الذمة وزعموا أن أحكام أهل الذمة كانت لظروف خلت وأن تطور العصر يرفضها، وممن تصدى لهذه المسألة وخصّص لها كتاباً: فهمي هويدي بعنوان: "مواطنون لا ذميون" نقتطف منه بعض آرائه؛ حيث يقول: "أليس غريباً أن يجيز الفقهاء أن يفرض المسلمون الحرب دفاعاً عن أهل ذمتهم، ثم يحجب البعض عن هؤلاء حق التصويت في انتخابات مجلس الشورى مثلاً؟ " ثم يقول: "أما تعبير أهل الذمة فلا نرى وجهاً للالتزام به إزاء متغيرات حدثت. وإذا كان التعبير قد استخدم في الأحاديث النبوية فإن استخدامه كان من قبيل الوصف، وليس التعريف، ويبقى هذا الوصف تاريخياً لا يشترط الإصرار عليه دائماً" (2) فالكاتب يحاول إلغاء الأحكام بلا دليل، وكأن الاجتهاد في الإسلام تحوَّل إلى لعب أطفال وأوهام مبتدعة، وأمزجة منحرفة.
وفي فصل "الجزية التي كانت" يقول: "ومن غرائب ما قيل في هذا الصدد تعريف ابن القيم للجزية بأنها هي الخراج المضروب على رؤوس الكفار إذلالاً وصغاراً، وأن هذا يتنافى مع روح الإسلام، ودعوته للمسامحة بين الناس جميعاً: إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (3).
لقد حكمت الشريعة الإسلامية بضعة عشر قرناً من عمرها، لم يعرف في التاريخ عدلاً وإنصافاً ورحمة بأقليات دينية كما عرفت في تلك القرون تحت مظلة الشريعة، بل كانت الطوائف تفر من بطش أبناء دينها لتنعم بالأمن في ظل عدل الإسلام وإنصاف المسلمين، إلا أنها التبعية والتزلف الذي تناسى أصحابه أحقاد اليهود والنصارى التي ما زالت والغة في دماء المسلمين.
ولكن: يا ليت قومي يعلمون!
حقيقة العصرانية: علمانية جديدة:
لاحظنا فيما سبق من حلقات أن العصرانيين يلحُّون على تطوير الشريعة محاولين التسلل نحو تحكيم القوانين الوضعية "وخاصة في قضايا المعاملات وسياسة الحكم، وشؤون المجتمع".
وزعموا أن القوانين الوضعية لا تخالف الشريعة الإسلامية، كما دعوا إلى التوفيق بين الشريعة وتلك القوانين، أي أنهم دعوا إلى الفصل بين الدين والدولة، وهذه هي العلمانية بأجلى مظاهرها.
فالعلمانية مصطلح غربي يعني إقامة الحياة على غير الدين على مستوى الفرد والأمة، وقد ساد هذا المذهب أوروبا رد فعلٍ على تسلط الكنيسة ومبادئها المحرَّفة إثر صراع دام بين الكنيسة والعلم.
والعلمانية فكرة مستوردة بعيدة عن مناهجنا وتراثنا وهي تعني ـ بداهة ـ: الحكم بغير ما أنزل الله، وهذا هو معنى قيام الحياة على غير الدين، وهي نظام جاهلي بعيد عن دائرة الإسلام، قال ـ تعالى ـ: من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون {المائدة: 44}.
وقد سلك العصرانيون لتحقيق هدفهم هذا سبلاً متعددة منها:
1 - محاولاتهم الجادة لتنحية الشريعة:
¥