تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد كتب كثير من هذه الكتب في أزمان سلطان الإسلام، وعزِّه ودولته، ويوم كانت رايات التوحيد مركوزة في أنحاء المعمورة. يوم كان الإسلام يحكم عالَمًا مترامي الأطراف، يقع فيه من النوازل والقضايا، والأحداث والمشكلات، الفردية والجماعية، العلمية والاجتماعية والسياسية وغيرها ما لا يكاد يقع تحت حصر. وربما وقع في بلد؛ ما يُعَدُّ غريبًا في بلد آخر، وربما تعورف في بلد على أمر، وتعورف في البلد الآخر على ضده.

فكانت آثار هذا الواقع الممتد في الرقعة الإسلامية، تبدو واضحة جلية في كتابات العلماء وآثارهم.

كما كان العلماء المسلمون يكتبون من مركز قوة، أي أنهم يمثلون في علومهم ودراساتهم الأمة الظافرة المنتصرة، والدين القوي المسيطر، وكانوا -كغيرهم من أفراد الأمة المسلمة- يعتزون بهذا الدين، ويَشْرُفون بالانتماء إليه، والانضواء تحت رايته.

وكانت مراكز العلم والبحث منتشرة في كل صقع من أصقاع العالم الإسلامي: من مصر إلى الشام إلى الحجاز إلى نيسابور إلى غيرها، وكان يتوفر في هذه المدارس المعلمون والمشايخ في كافة العلوم: في العقيدة، والحديث، والنحو، والتفسير، والفقه، وغيرها، إضافة إلى توفير متطلبات الحياة العادية من مسكن، ومأكل، ومشرب وعلاج وغيرها.

فكان الطالب يجمع همه على العلم، ويتلقى كل فن عن كبار المختصين فيه، ويفرغ نفسه من الشواغل والملهيات؛ بل ربما سافر من بلده إلى بلد آخر ومكث فيه عشرات السنين، تاركًا وراءه كل ما يربطه بوطنه الصغير، مهاجرًا إلى الله ورسوله في طلب العلم، وما أخبار البخاري، أو مسلم، أو بقي بن مخلد عنا ببعيد .. وغيرهم كثير.

وقد نتج عن هذه الحال تخرج أعداد كبيرة من العلماء، يجمعون بين أنواع كثيرة من العلوم يكمل بعضها بعضًا: فهم محدثون حفاظ أثبات، ولغويون فصحاء أقحاح، وفقهاء مستنبطون، وعلماء في التفسير، وأساتذة في العقيدة.

ولم يكن الفرق عندهم قائما بين هذه العلوم، فهي كلها وسيلة للعلم بالدين، ونشره بين الناس.

وساعدهم على استيعاب هذه العلوم وهضمها؛ التفرغ الذي اضطروا أنفسهم إليه، حين عزفوا عن زخرف الحياة وملذاتها، ومراتع الصبوة والشباب، وشغلوا أنفسهم بما خلقوا له، فعاشوا في دنياهم سعداء، وماتوا ميتة الشهداء.

وقد خلفوا لمن بعدهم تراثًا عريقًا، متشعب الجوانب، لو اجتمعت جهود العلماء والباحثين، وتوفرت عليه، لكلت دون أن تبلغ منه مبلغًا، فضلاً عما ضاع عبر القرون -وهوكثير-.

وفيما يتعلق بالتراث الفقهي منه فهو على أنواع:

1 - فمنه ما يكون الفقه فيه ممزوجًا بغيره من العلوم الشرعية كالحديث وغيره، ومن أمثلة ذلك ما نجده من الآراء والاستنباطات الفقهية في مثل "موطأ" الإمام مالك، أو ما نجده في تراجم الإمام البخاري في صحيحه، أو ما نجده في كثير من كتب السنة، وبالذات ما يسمى بـ "المصنفات"، كمصنف الإمام الجليل عبد الرزاق الصنعاني رحمه الله، ومصنف الإمام أبي بكر بن أبي شيبة رحمه الله وغيرها. وكان الغرض منها الجانب العملي؛ ولذلك رتبت على أبواب الفقه.

2 - ومنها ما ألّف في الفقه خاصة -وإن دخل في الفقه غيره من العلوم كالحديث- تبعًا، ومن أشهر وأقدم الكتب المصنفة في ذلك: كتاب "الأم" للإمام الشافعي، وكتاب "المدونة" للإمام مالك، وغيرهما ... ، وهذه الكتب تشمل معظم أبواب الفقه، أوكلها.

3 - وهناك كتب درست جانبًا معينًا، أو موضوعًا خاصًا، ككتاب "الأموال" للإمام الجليل أبي عبيد القاسم بن سلام، وكتاب "الخراج" لأبي يوسف، ولأبي يعلى، وكتاب "شرح السير" للسرخسي وغيرهما.

ومما ينبغي الإشادة به، والإشارة إليه: أن هذا التراث الفقهي العظيم قد تحدث في عدد ضخم جدًا من الفروع، لا يوجد له نظير في أي أمة من الأمم، أو حضارة من الحضارات؛ بل وسبق الزمن في عديد من القضايا، فوضع لها الحلول المناسبة في زمن كان الناس فيه لا يتصورون مجرد وقوعها فضلاً عن دراسة الحلول لها ().

ولكن كل ما سبق لا يعني قدسية هذا التراث أو عصمته المطلقة، كما لا يعني أنه كاف لسد حاجة كل عصر دون جهد يقوم به أبناء العصر أنفسهم.

بل لا يخلو هذا التراث من ثغرات وجوانب نقص، سواء من حيث الشكل، أو من حيث المضمون والمحتوى.

أ- فمن حيث الشكل، وطريقة الترتيب والتبويب:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير