5 - أن القواعد الأصولية تدل على الحكم بواسطة؛ فمثلاً: قاعدة (النهي يقتضي التحريم) لا تفيد تحريم الزنا بمفرده، بل لا بد من إضافتها إلى الدليل كقوله تعالى: "ولا تقربوا الزنا" [الإسراء:32]. أما القواعد الفقهية فإنها تدل على الحكم مباشرة، فمثلاً: (قاعدة اليقين لا يزول بالشك) تفيد طرح أي أمرٍ مشكوك فيه من غير إضافتها إلى أمر آخر.
6 - أن القواعد الأصولية أكثر اطراداً وعموماً من القواعد الفقهية، حيث ترد على القواعد الفقهية كثير من الاستثناءات. أما القواعد الأصولية فاستثناءاتها قليلة لا تكاد تذكر.
ومع هذه الفروق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية إلا أن هناك عدداً من القواعد تكون مشتركة بين الفقه وأصوله، حيث تصدق عليها صفات القواعد الأصولية وصفات القواعد الفقهية، ومن أمثلة هذا النوع من القواعد: قاعدة: (الأصل في الأشياء الإباحة)، فهذه القاعدة لها تعلق بالفقه، ولها تعلق بأصوله، ولذلك فإن هذه القاعدة قاعدة أصولية فقهية.
وقد يكون الاشتراك في بعض القواعد بين الفقه وأصوله نابع من اختلاف النظر إلى القاعدة؛ لأن القاعدة ينظر إليها من جهتين:
الجهة الأولى: من حيث موضوعها، فإذا نظرنا إليها باعتبار أن موضوعها دليل شرعي كانت قاعدة أصولية.
الجهة الثانية: من حيث تعلقها، فإذا نظرنا إليها باعتبار أنها تتعلق بفعل المكلف، كانت قاعدة فقهية.
ويمكن تطبيق هذا الأمر على قاعدة: (سد الذرائع)، فإذا نظرنا إلى موضوعها فإنها تكون قاعدة أصولية، ولذلك نقول: الدليل المثبت للحرام مثبت لتحريم ما أدى إليه. وإذا نظرنا إليها باعتبارها فعلاً لمكلف فإنها تكون قاعدة فقهية، ولذلك نقول: كل مباح أدى فعله إلى حرام فهو حرام.
كما يمكن تطبيق هذا الأمر على قاعدة العرف، فإذا نظرنا إلى العرف باعتبار موضوعه وهو: الإجماع العملي أو المصلحة المرسلة، كانت قاعدة العرف قاعدة أصولية، وإذا نظرنا إليه باعتبار تعلقه بفعل المكلف، وهو: القول الذي غلب في معنى معين، أو الفعل الذي غلب الإتيان به لغرض معين، كانت قاعدة العرف قاعدة فقهية.
ومما يدل على الاشتراك والتداخل بين القواعد الفقهية والأصولية: أن كثيراً من العلماء الذين ألفوا في القواعد الفقهية ذكروا في كتبهم عدداً من القواعد الأصولية، الأمر الذي يدل على وجود العلاقة القوية بينهما، ومن أشهر هذه الكتب ما يأتي:
1 - الفروق، لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت: 684هـ).
2 - المجموع المذهب في قواعد المذهب، لأبي سعيد خليل بن كيكلدي العلائي (ت:761هـ).
3 - الأشباه والنظائر، لتاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي (ت:771هـ).
4 - القواعد، لأبي بكر محمد بن عبد المؤمن المعروف بتقي الدين الحصني (ت:829هـ).
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[27 - 03 - 04, 11:20 ص]ـ
جزاك الله والمجيب خيرا
ولقد استفدت كثيرا من كتاب الدكتور البورنو (الوجيز) كثيرا وقد تطرق لهذه المسألة فلتراجع ص20
كما أنصح إخواني بقراءة هذا الكتاب فهو من أسهل وأجود ما كتب للمبتدئين في هذا الفن.
ـ[ابراهيم الخوجة]ــــــــ[31 - 03 - 04, 02:10 ص]ـ
قال الدكتور الحفناوي في كتابه نظرات في أصول الفقه:
الفرق بين قواعد الفقه وأصول الفقه
القواعد الفقهية: عبارة عن المسائل الكلية التي يندرج تحتها مجموعة من الأحكام الشرعية المتشابهة تشابهاً يجعلها مندرجة تحت تلك القضايا الكلية، وذلك كقاعدة الغرم بالغنم وقاعدة لا ضرر ولا ضرار، وهذه القواعد تشبه أصول الفقه من ناحية وتخالفه من ناحية أخرى:
أما من جهة المشابهة: فهي أن كلاً منها قواعد كلية تندرج تحتها قضايا جزئية.
وأما من جهة الاختلاف: فهي أن قواعد الأصول عبارة عن المسائل التي يندرج تحتها أنواع الأدلة الإجمالية في الجملة محكوم عليها بأحكام تسمح باستنباط التشريع منها مثل: كون الأمر يفيد الوجوب، والنهي يفيد التحريم.
وأما قواعد الفقه: فهي عبارة عن المسائل التي تندرج تحتها أحكام الفقه نفسها، فتلك الأحكام تنبني أولاً, وبالذات ويصل المجتهد إليها بناءً على تلك القضايا المبنية في أصول الفقه.
وإنما يلجأ الفقيه إلى هذه القواعد تيسيراً له في عرض الأحكام فهو إذا قال: إن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني، أغناه ذلك عن أن يقول: البيع ينعقد بلفظ كذا، والإجارة تنعقد بلفظ كذا وهكذا, ومن المعلوم أن قواعد الفقه قد عرفت في عصر الأئمة المجتهدين فها هو الإمام القرافي المتوفى سنة 684هـ له كتاب (الفروق) وقد ذكر فيه خمسمائة وثمانية وأربعين قاعدة. وكذلك الإمام أبو زيد الدبوسي الحنفي المتوفى سنة 430 هـ له كتاب (تأسيس النظر) وقد اشتمل على ست وثماني قاعدة.
وكذلك العز بن عبد السلام المتوفى سنة 660هـ له كتاب (قواعد الأحكام في مصالح الأنام)
والإمام عبد الرحمن بن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795 هـ له كتاب (القواعد الفقهية)
وكذا كتاب (الأشباه والنظائر) للسبكي والأشباه والنظائر للسيوطي.