قوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً}
[النجم: 28].
ووجه الاستدلال:: أن خبر الواحد يفيد الظن، وجاء الظن هنا في الآية في معرض الذم وهو يقتضي التحريم.
ولأنه لا يجوز التعبد بخبر الآحاد في الفروع من باب أولى ألا يتعبد به في الأصول.
والجواب على هذا: أنه قد ثبت بالقرآن والسنة وإجماع الصحابة العمل بخبر الآحاد متى صح، من غير تفريق، وما ادعيتموه من عدم جواز التعبد بخبر الآحاد مجرد دعوى تحتاج إلى دليل، ولا دليل عندكم إلا ما قلتم بأنه لا يفيد إلا الظن - وتقدم ردّ هذا - والله جل وعلا قد أكمل لنا الدين - شريعة وعقيدة - ونُقلت عبر أجيال المسلمين إلى يومنا هذا سواء ما كان منها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر: أخبار الآحاد لشيخنا عبد الله الجبرين ص 87.
متواتراً أو ما كان آحاداً، والعمل بما صح من ذلك منهج جماهير المسلمين من السلف والخلف دون تفريق بين الأصول والفروع.
ثم إن الظنّ يطلق ويراد به الشك، ويطلق ويراد به اليقين، فليس كل ظن شكّاً بمعنى احتمال الخطأ على الراوي، وإنما الظن مراتب يرتقي فيها من الشك إلى اليقين وذلك بحسب ما يصاحبه، فاحتمال الخطأ أو الكذب يزول بعد التثبت والتأكد من عدالة الراوي وضبطه، فيكون خبره مفيداً للعلم اليقيني، وحتى مع القول بأن خبر الواحد يفيد الظن، فالمراد به الظن الراجح بصدق الخبر، فإن هذا الظن يستند إلى أصل قطعي وهو القرآن الكريم.
يقول الإمام الشاطبي "ت790هـ": "وهذه هي الظنون المعمول بها في الشريعة أينما وقعت؛ لأنها استندت إلى أصل معلوم، فهي من قبيل المعلوم جنسه، فعلى كل تقدير خبر واحد صح سنده فلابدّ من استناده إلى أصل من الشريعة قطعي فيجب قبوله، ومن هنا قبلناه مطلقاً، كما أن ظنون الكفار غير مستندة إلى شيء فلابدّ من ردها" (1).
وبناءً على ما تقدم، فإن القول بظنية السنة لا ينطبق على كل السنة، وإنما يمكن حصره في الأحاديث الضعيفة أو المتكلم فيها، ولذا ذهب جمهور العلماء إلى قبول ما تلقته الأمة بالقبول كأحاديث الصحيحين وما في حكمها.
وهناك أمر آخر، وهو أن الظنية التي يتكئ عليها هؤلاء إنما هي أمر نسبي غير متفق عليه يختلف إدراكه باختلاف الأحوال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
(1) الاعتصام 1/ 190.
قال الإمام ابن القيم "ت 751هـ": "كون الدليل من الأمور الظنية أو القطعية أمر نسبي يختلف باختلاف المدرك المستدل ليس هو صفة للدليل في نفسه، فهذا أمر لا ينازعه فيه عاقل، فقد يكون قطعياً عند زيد ما هو ظني عند عمرو، فقولهم: إن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة المتلقاة بين الأمة بالقبول لا تفيد العلم بل هي ظنية هو إخبار عمّا عندهم، إذ لم يحصل لهم من الطرق التي استفاد بها العلمَ أهلُ السنة ما حصل لهم، (1).
2 - استدلالهم من السنة:
1) قصة ذي اليدين (2) التي رواها أبو هريرة رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي - إما الظهر وإما العصر - فسلم في ركعتين، ثم أتى جزعاً في قبلة المسجد فاستند إليه مغضباً - وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يتكلما - وخرج سرعان (3) الناس، فقام ذو اليدين فقال: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فنظر النبي صلى الله عليه وسلم يميناً وشمالاً فقال: "ما يقول ذو اليدين؟ " قالوا: صدق، لم تصل إلا ركعتين، فصلَّى ركعتين وسلم .. الحديث (4).
ووجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم توقف في قبول خبر ذي اليدين حتى تابعه غيره. فلو كان خبر الواحد حجة لقبله النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن ينتظر من يؤيده.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
(1) مختصر الصواعق المرسلة 2/ 572
(2) هو الخرباق بن عمرو السلمي يقال له ذو اليدين لطول في يديه، وقيل: كان قصير اليدين: صحابي جليل.
(3) أي المستعجلين في الخروج من المسجد بعد انقضاء الصلاة.
(4) أخرجه البخاري ـ الفتح 13/ 245 ـ كتاب أخبار الآحاد، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد ... ، ومسلم بشرح النووي 3/ 66 كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له.
والجواب على هذا من وجوه:
¥