تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2. وقال قوم إنه الذي يعاقب على تركه. واعترض عليه بأن الواجب قد يعفي على تركه ولا يخرج عن كونه واجبا لأن الوجوب ناجز والعقاب منتظر. وَأُجِيبُ: إنَّمَا يَرِدُ لَوْ أُرِيدَ إيجَابُ الْعِقَابِ , وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ أَنَّهُ أَمَارَةٌ أَوْ سَبَبٌ لِلْعِقَابِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ لِمَانِعٍ , وَهُوَ الْعَفْوُ. وَأَجَابَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِحَمْلِ الْعِقَابِ عَلَى تَرْكِ جِنْسِ ذَلِكَ الْفِعْلِ , وَحِينَئِذٍ لَا يَبْطُلُ بِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ إلَّا إذَا وَقَعَ الْعَفْوُ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ التَّارِكِ , وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ الْأَفْرَادِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ لَا يَصِحُّ لِدَلَالَةِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ عَلَى عِقَابِ بَعْضِ الْعُصَاةِ.

3. وقيل ما توعد بالعقاب على تركه، واعترض عليه بأنه لو توعد لوجب تحقيق الوعيد فإن كلام الله تعالى صدق ويتصور أن يعفي عنه ولا يعاقب. كما أن بعض الواجبات وردت بصيغة الأمر الجازم بلا ذكر لعقوبة، وهي واجبة عند الجميع، كإعفاء اللحية.

4. وقيل هو ما يستحق تاركه العقاب على تركه. وهو إن أريد بالاستحقاق ما يستدعي مستحقا عليه فباطل لعدم تحقق ذلك بالنسبة إلى الله تعالى على ما بيناه في علم الكلام وبالنسبة إلى أحد من المخلوقين بالإجماع وإن أريد به أنه لو عوقب لكان ذلك ملائما لنظر الشارع فلا بأس به.

5. وقيل هو الذي يخاف العقاب على تركه. ويبطل بالمشكوك في وجوبه. كيف وإن هذه الحدود ليست حدا للحكم الشرعي وهو الوجوب بل للفعل الذي هو متعلق الوجوب.

6. قال القاضي أبو بكر رحمه الله الأولى في حده أن يقال هو الذي يذم تاركه ويلام شرعا بوجه ما لأن الذم أمر ناجز والعقوبة مشكوك فيها وقوله بوجه ما قصد أن يشمل الواجب المخير فإنه يلام على تركه مع بدله والواجب الموسع فإنه يلام على تركه مع ترك العزم على امتثاله. وذكر الزركشي أن المختار عند الْمُتَأَخِّرينَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: أَنَّهُ الَّذِي يُذَمُّ تَارِكُهُ شَرْعًا بِوَجْهٍ مَا. فَالْمُرَادُ بِالذَّمِّ مَا يُنَبِّئُ عَنْ اتِّضَاحِ حَالِ الْغَيْرِ , وَتَارِكُ الْوَاجِبِ , وَإِنْ عُفِيَ عَنْهُ فَالذَّمُّ مِنْ الشَّارِعِ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ وَأَقَلُّهُ أَنَّهُ يُسَمِّيهِ عَاصِيًا , وَهُوَ ذَمٌّ قَطْعًا , وَلَا يُكْرِمُهُ مِثْلَ إكْرَامِ الْآتِي بِهِ , وَإِنْ عُفِيَ عَنْهُ , إذْ يَسْلُبُهُ مَنْصِبَ الْعَدَالَةِ.

7. وقال الشوكاني: فالواجب في الاصطلاح ما يمدح فاعله ويذم تاركه على بعض الوجوه فلا يرد بالواجب المخير وبالواجب على الكفاية فإنه لا يذم في الأول إلا إذا تركه مع الآخر ولا يذم في الثاني إلا إذا لم يقم به غيره.

8. وقال الفتوحي: قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: أُولاهَا – أي التعاريف - (مَا ذُمَّ شَرْعًا تَارِكُهُ قَصْدًا مُطْلَقًا) وَهُوَ لِلْبَيْضَاوِيِّ. وَنَقَلَهُ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ ابْنِ الْبَاقِلاَّنِيِّ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الرُّسُومِ، لَكِنْ فِيهِ نَقْصٌ وَتَغْيِيرٌ. وَتَبِعَهُ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَلَمْ يَقُلْ " قَصْدًا ". فَالتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ " مَا ذُمَّ " خَيْرٌ مِنْ التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ " مَا يُعَاقَبُ " لِجَوَازِ الْعَفْوِ عَنْ تَارِكِهِ. وَقَوْلُنَا " شَرْعًا " أَيْ مَا وَرَدَ ذَمُّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ فِي إجْمَاعِ الأُمَّةِ، وَلأَنَّ الذَّمَّ لا يَثْبُتُ إلاَّ بِالشَّرْعِ خِلافًا لِمَا قَالَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْمُبَاحِ، لأَنَّهُ لا ذَمَّ فِيهَا. وَقَوْلُهُ " تَارِكُهُ " اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْحَرَامِ. فَإِنَّهُ لا يُذَمُّ إلاَّ فَاعِلُهُ. وَقَوْلُهُ: " قَصْدًا " فِيهِ تَقْدِيرَانِ مَوْقُوفَانِ عَلَى مُقَدِّمَةٍ، وَهُوَ أَنَّ التَّعْرِيفَ إنَّمَا هُوَ بِالْحَيْثِيَّةِ، أَيْ الَّذِي بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ لَذُمَّ تَارِكُهُ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْحَيْثِيَّةِ لاقْتَضَى أَنَّ كُلَّ وَاجِبٍ لا بُدَّ مِنْ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير