قلت: سبق وأن بينا زعمهم حضوره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لمولد عمه حمزة عند قبره، وحضوره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مولد الدجال أحمد البدوي عند قبره بطنطا، ولك أن تتخيل أخي الموحد سبب تعلق المتصوفة بالقبور والأضرحة والمشاهد المزعومة، وعبادتها والطواف حولها والعكوف عندها والنذر لأصحابها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ـ[عبدالغفار بن محمد]ــــــــ[17 - 04 - 05, 12:15 ص]ـ
وقفة مع القيام في المولد
بينا زيف كلام الدكتور المالكي آنفا زعمه حضور روحه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، والآن يجب علينا بينا الوجه الآخر لمشايخ المولد القائلين بحضوره مجالس الخير بجسده وأنه يُرى من قبل الخواص، وفي ذلك يقول صاحب كتاب المولد بين المؤيدين والمعارضين (ص 87):
"وبعد ثبوت حضور الأنبياء إلى بيت المقدس للإتمام برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فإنه من السَّفَه استكثار حضوره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مجالس الخير وأن يراه من نور الله بصيرته من الخاصة".
قال عبدالغفار: وهذا ثابت عنهم بنص قول الشاعر الذي ذكرناه آنفا:
عجبت لمن له عقل وفهم * يرى هذا الجمال ولا يقوم
وقال آخر:
وقد سن أهل العلم والفضل والتقى * قياما على الأقدام مع حسن إمعان
لتشخيص ذات المصطفى وهو حاضر * بأي مكان فيه يذكر بل دان
ففي البيت الأول نص على القيام لأجل الجمال الذي يُرى، ولا أظن عاقلا يقول بإمكانية رؤية الروح وجمالها؟؟
أما البيتين الآخرين فقد أوضح فيهما الشاعر أن بعض مشايخ التصوف والمولد سن القيام لأجل رؤية ذات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وهناك فرق بين الذات والروح، مما يثبت تدليس المالكي.
يقول صاحب كتاب الختمية (ص 135): "أما القيام في حالة ذكر الولادة فإن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بشر الختم في منامه بأنه يحضر حين ذكر الولادة وبما أن الشيطان لا يتمثل بالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقد وجب التصديق بحضوره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ولذلك وجب القيام لحضوره إكراما له". انتهى من كتاب (تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي 1/ 305).
فيفهم من هذا أن الحضور ذاتي وليس روحي كما زعم المالكي أنفا، ونسوق هنا قصة اسطورية ذكرها الجبرتي في كتابه عجائب الآثار (1/ 380) في ترجمة الشيخ علي بن حجازيبن محمد البيومي:
"ومن كلامه في آخر رسالة الخلوتية ما نصه فمن منن الله علي وكرمه أني رأيت الشيخ دمرداش في السماء وقال لي لا تخف في الدنيا ولا في الآخرة وكنت ارى النبي صلى الله عليه وسلم في الخلوة في المولد فقال لي في بعض السنين لا تخف في الدنيا ولا في الآخرة ورأيته يقول لابي بكر رضي الله عنه اسع بنا نطل على زاوية الشيخ دمرداش وجاءا حتى دخلا في الخلوة ووقفا عندي وأنا اقول الله الله وحصل لي في الخلوة وهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت الشيخ الكبير يقول لي عند ضريحه مد يدك الى النبي صلى الله عليه وسلم فهو حاضر عندي".
بسر الفاتحة
قراءة فاتحة الكتاب أمر مشروع وهي ركن من أركان الصلاة ولا تصح إلا بها، لكن قراءتها على أرواح الموتى أو بعد الإنتهاء من الدعاء أو عند عقد القِران أو طلب قراءتها لمن يسافر إلى المدينة النبوية لقراءتها في الروضة عند الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أو بعد الموعظة أو في الموالد، كل هذا لم يصدر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أو أصحابه والتابعين لهم بإحسان، فكم دفن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أولاده وزوجته خديجة وعمه حمزة وأصحابه رضي الله عنهم، ودعا لهم بمحضر من أصحابه فلم ينقل لنا أنه قرأ لهم الفاتحة، ولا أوصى من ذهب إلى مكة بقراءتها لزوجته خديجة، كما زوج بناته ولم يؤثر عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قراءتها عند عقد قرانهن، ولا عند انتهائه من موعظة أو مجلس تعليم لأصحابه.
ولقد عجبت من الدكتور المالكي بعد الإنتهاء من الدعاء في أحد الموالد (والمسجلة على شريط صوتي) فختم بقوله: "بسر الفاتحة".
وقراءة الفاتحة في عدد من المواطن هو ديدن المتصوفة، منها ما ذكره النبهاني صاحب المولد المشهور عن عبدالغني النابلسي أحد كبار الصوفية وله مؤلف في المولد في كتابه جواهر البحار (4/ 94 نقلا عن كتابه الرحلة الحجازية) لما زار المدينة ووقف على القبر الشريف فقال: "وأكثرنا من الصلاة والسلام على سيد الأنام وعلى أبي بكر وعمر وفاطمة الزهراء، وبقية الآل والأصحاب الكرام، وقرأنا الفاتحة ودعونا الله تعالى وتضرعنا إليه".
كما ذكر عنه (4/ 97) لما دخل الحجرة الشريفة: "ثم وقفت بحذاء الكوكب الدري ورفعت يدي وقرأت الفاتحة ودعوت الله لي ولأولادي".
وذكر أيضا (3/ 102) لما ذكر خدام المسجد والحجرة وكنسها فقال: "ويجمعون الكناسة كلها ويفرقونها بينهم، ثم يهدونها إلى أحبابهم ويقرأون بعد ذلك الفاتحة مجتمعين عند شباك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
قال مقيده عفا الله عنه: وليس هذا من هدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولا هدي أصحابه، وقد صح عن ابن عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - زيارة قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وصاحبيه ولم يقرأالفاتحة، وعمدتهم في ذلك حديث باطل لا أصل له (الفاتحة لما قرئت له)، قال الشيخ ملا قاري في كتابه المصنوع (ص 127 ح 204): لا أصل له بهذا اللفظ.
يتبع إن شاء الله تعالى
¥