كان كثير من العرب يدعونه بن عبد المطلب كما قال ضمام بن ثعلبة لما قدم أيكم بن عبد المطلب وقيل لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب رجل يدعو الله ويهدى إلى الله الخلق على يديه ويكون خاتم الأنبياء فانتسب إليه ليتذكر ذلك من كان يعرفه وقد اشتهر ذلك بينهم". وقال أيضا (8/ 32): "وفيه جواز الانتساب إلى الآباء ولو ماتوا في الجاهلية والنهي عن ذلك محمول على ما هو خارج الحرب". وقال الشيخ ملا قاري في كتابه أدلة معتقد أبي حنيفة (ص 102): "وهذا محمول على أنه ليس من باب الإفتخار في الإنتساب بالأباء الكفار، بل لإظهار الجلادة والشجاعة والإشتهار".
الوقفة الثانية:
المالكي ومن على شاكلته من مشايخ التصوف والموالد يعللون النصوص ويعارضونها على حسب أهوائهم وأذواقهم وعقائدهم وهذا منها، فالمالكي هنا يعارض حديثا في الصحيحين، فعن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
(يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله عز وجل {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} وأنزل الله تعالى في أبي طالب فقال لرسول الله صلى اللهم عليه وسلم {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}.
وهنا أمور تثبت مخالفة المالكي ومعارضته للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وأن أبا طالب رفض الموت على دين ابن أخيه ورغب في الموت على ملة عبدالمطلب:
الأول: التعارض بين طلب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لعمه قول كلمة التوحيد، وبين طلب أبي جهل وابن أمية من عدم ترك ملة عبدالمطلب، فلو كان مؤمنا لقبل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من عمه وفاته عليها؟؟ ولكان أبو جهل وابن أمية مؤمنين!
الثاني: رغبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الإستغفار لعمه أبي طالب صريح في موته على الكفر الذي هو ملة عبدالمطلب.
الثالث: نهي الله عزوجل نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الإستغفار للمشركين ولو كانوا أولي قربى، نزلت في عمه أبي طالب دليل آخر عى موته على الشرك الذي هو ملة عبدالمطلب.
الرابع: لما كانت رغبة أبي طالب الموت على دين أبيه عبدالمطلب، وعدم تحقق رغبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في هدايته أنزل الله عزوجل عليه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة أن هداية عمك الذي تحبه ليست لك، تأكيد قوي على مته على الشرك الذي هو ملة أبيه عبدالمطلب.
الخامس: القول بإيمان عبدالمطلب من عقائد الرافضة قاله الحافظ في الإصابة (4/ 117).
السادس: قال السيوطي في الحاوي (2/ 220 رسالة مسالك الحنفا في والدي المصطفى): "ولا شك أن الترجيح في عبدالمطلب بخصوصه عسر جدا، لأن حديث البخاري مصادم قوي، وإن أخذ في تأويله لم يوجد تأويل قريب، والتأويل البعيد يأباه أهل الأصول".
سابعا: ورد حديث وإن كان فيه ضعف إلا أن الحديث السابق يؤيده في كون عبدالمطلب مات على الشرك، فعن عبدالله بن عمرو قال:
(بينما نحن نسير مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذ بصر بامرأة لا تظن أنه عرفها فلما توسط الطريق وقف حتى انتهت إليه فإذا فاطمة بنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قال: لها ما أخرجك من بيتك يا فاطمة؟ قالت: أتيت أهل هذا الميت فترحمت إليهم وعزيتهم بميتهم، قال: لعلك بلغت معهم الكدى! قالت: معاذ الله أن أكون بلغتها وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر! فقال: لها لو بلغتها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك). أخرجه النسائي (الجنائز ح 1880) وضعف أحد رواته.
قلت: فهذا يؤيد ما قررناه آنفا، وإليه ذهب ملا قاري في كتابه (أدلة معتقد أبي حنيفة ص 99) حيث قال: "فهذا يقتضى أن عبدالمطلب مات على الشرك بلا شك".
وقال الشيخ المحدث العظيم أبادي شارح سنن أبي داود في شرحه (8/ 273): "وأما القول بنجاة عبد المطلب كما هو مذهب السيوطي فكلام ضعيف خلاف لجمهور العلماء المحققين إلا من شذ من المتساهلين ولا عبرة بكلامه في هذا الباب والله أعلم".
الثامن: هذا إثبات وإدانة لتلقف مشايخ المولد والتصوف للعقائد الباطلة من أهل الرفض كما تلقفوا بدعة المولد منهم.
يتبع إن شاء الله.
¥