أما حديث البراء رضي الله عنه، فرواه ابن أبي حاتم في تفسيره " [6/ 305] قال حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا أحمد بن عمر الوكيعي حدثنا مؤمل عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء، بنحوه وفيه: (قالوا: هل لك أن نخاطرك)، وفيه: (فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فساءه وكرهه وقال لأبي بكر"ما دعاك إلى هذا؟ قال: تصديقا لله ورسوله)، وفي آخره قال في المال: (فجاء به أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (هذا السحت، تصدق به).
وأخرجه أبو يعلى [المطالب العالية: 4/ 142] قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة ثنا المؤمل – هو ابن إسماعيل – ثنا إسرائيل ... به ولم يذكر في آخره: (هذا من السحت تصدق به) وإنما جاء فيه: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا للنجائب).
وعزاه السيوطي في " الدر المنثور " [6/ 479] إلى ابن مردويه وابن عساكر.
قلت: رجاله ثقات، وما يشين هذا الإسناد غير تفرد مؤمل بن إسماعيل به من حديث البراء، ومؤمل له أوهام وأغلاط، فيخشى أنه منها، خاصة الزيادة الموجودة من كونها من السحت وإطعام النجائب لها، ولم يذكرها ابن عباس ولا نيار بن الحكم فيما صح عنهما، ولا عبدالله بن مسعود فيما روي عنه، فغلبة الظن على الوهم قوية.
ومعنى قوله (هذا للنجائب): يستعمل هذا المال في إطعام النجائب وهي أفضل الحيوانات، وهذا يحمل معنى الرواية الأخرى من كونه سحت من حيث منعه من أكل هذا المال، وإطعامه للبهائم، وقد تكرر مثل هذا من النبي صلى الله عليه وسلم كما في كسب الحجام لخبث مكسبه، وكما أمر بأن تعلف الإبل من العجين الذي عجن بماء آبار ثمود.
*****
وأما حديث نيار بن مكرم الأسلمي: فرواه الترمذي في " السنن " [9/ 53/ الأحوذي] من طريق البخاري في " التاريخ الكبير " [8/ 139] قال: حدثنا البخاري حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني ابن أبي الزناد عن أبي الزناد عن عروة بن الزبير عن نيار بن مكرم الأسلمي قال لما نزلت (ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ) فساقه بمثله، وفيه: (قال ناس من قريش لأبي بكر فذلك بيننا وبينكم زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين أفلا نراهنك على ذلك قال بلى، وذلك قبل تحريم الرهان فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان) وفيه: (وأسلم عند ذلك ناس كثير).
قال الترمذي: هذا حديث صحيح حسن غريب من حديث نيار بن مكرم لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد.
والحديث رواه ابن خزيمة في التوحيد [صحيفة:166]، وابن قانع في " مسنده " [انظر الإصابة لابن حجر: 10/ 197]، وعزاه السيوطي في " الدر المنثور " [6/ 480] إلى الدارقطني في " الأفراد " و الطبراني في " الكبير " و ابن مردويه في " تفسيره " والبيهقي في " شعب الإيمان ".
ورواه الطبراني في " الأوسط " [7/ 200] ورقم (7266) من حديث ابن أبي الزناد بقوله: (البضع ما بين السبع إلى العشر) فقط.
قال الحافظ ابن حجر: ورجال السند ثقات.
وجاء في لفظه عند ابن خزيمة: (فيقال: نناحبك، أي نراهنك، وذلك قبل أن ينزل في الرهان ما نزل .. ).
****
ورويت القصة مطولة مرسلة من حديث جماعة من التابعين منهم:
1 - قتادة بن دعامة السدوسي: روى يعقوب بن سفيان في تاريخه " [3/ 267] ومن طريقه البيهقي في " الدلائل " [2: 333] قال الفسوي: حدثنا العباس بن الوليد قال حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة، وذكر القصة بنحوها وفيها قوله (فولي قمار المسلمين أبو بكر رضي الله عنه، و ولي قمار المشركين أبيّ بن خلف، وذلك قبل أن ينهى عن القمار في الأجل ... )، وهو عند ابن جرير الطبري في " تفسيره " [21229] من حديث يزيد به، وعزاه السيوطي في " الدر المنثور " [6/ 481] إلى ابن أبي حاتم.
2 - عكرمة مولى بن عباس، روى ذلك ابن جرير في " تفسيره " [21227]: قال حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثني حجاج عن أبي بكر بن عبدالله عن عكرمة به مطولاً.
3 - عبدالله بن عتبة بن مسعود، وقد تقدم في ذكر حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه.
¥