وقال أبو بكر: ((والقصد من الحديثين إثبات الدعاء في الخطبة، ثم فيه من السنة: أن لا يرفع يديه في حال الدعاء في الخطبة، ويقتصر على أن يشير بأصبعه. وروينا عن الزهري أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم الجمعة دعا، فَأَشَارَ بأصبعه وأمَّنَ النَّاسُ. ورواه قرَّة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة موصولاً، وليس بصحيح والله أعلم)) اهـ.
وأما تحريك اليدين، وقبضهما، وبسطهما فى الخطبة يوم الجمعة وغيرها، كما يفعله أكثر الخطباء، حملاً للسامعين على الانتباه والتيقظ، فمن الدلالة على جواز ذلك كله: ما سبق ذكره على وجه الاختصار دون الإسهاب، عند الكلام على حديثى أبى حميد الساعدى، وعبد الله بن عمر، وفى ثانيهما ((وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَكَذَا بِيَدِهِ، وَيُحَرِّكُهَا، يُقْبِلُ بِهَا، وَيُدْبِرُ، فَرَجَفَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرُ))، وقوله ((وَيَمِيلُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ)).
وهذا من أوضح بيانٍ وأدله على ما ذكرناه.
والله الهادى للصواب، وإليه المرجع والمآب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.)) انتهى كلام العلامة أبو محمد الألفي.
أقول نخرج بأقوال:
الأول: أن رفع اليدين للدعاء حال خطبة الجمعة لا يجوز وهو الصحيح وهو ما قاله أبو محمد الألفي.
الثاني: أن رفع اليدين للدعاء في حال الخطبة للجمعة جائز وهو ما قاله صاحب الفتوى وهو خطأ, كما سيبين بعون الله.
قال صاحب الفتوى: ((وحتى رواية ابن فضيل فإنها على المعنى الثاني، فإنّ فيها: "أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه يشير بإصبعيه يدعو" رواه أحمد.
فالمنكر في هذه الرواية إنما هو الإشارة بإصبعين، لا مدّ اليدين مبسوطتين، و الله أعلم.)).
قال أبو الزهراء: تكلف شديد لا يفعله طالب علم, فقد جاء في روايات أخر مثل رواية هشيم عند الترمذي والفريابى عن الثورى عند الدارمي وغيرهم بأن بشر بن مروان كان رافعاً يديه, فماذا دفع المفتي أن يقول بأن المذموم هو رفع الإصبعين فقط؟!
وهو يقول بلسان حاله أن رفع الإصبعين فقط لا يجوز, وأنا أقول له: هل رفع ثلاثة أصابع جائز؟ فإذا أجاب بنعم عُلِمَت منزلته في العلم, وإن أجاب بلا, طولب بالدليل فلن يستطيع إليه سبيلا, وسيقول ما قلناه نحن في رفع اليدين في الدعاء. والحمد لله رب العالمين.
قال صاحب الفتوى: ((وقوله: "يدعو" لا يريد الدعاء المعهود بل يريد الإشارة، بقرينة قول ابن الزبير: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - أي في تشهده - يدعو هكذا في الصلاة، وأشار بإصبعه" رواه الدارمي واللفظ له، و أبو داود و النسائي ... )).
قلت: سوء فهم, وهل التشهد إلا دعاء ففيه السلام على خير الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفيه الدعاء بالمغفرة لنا وللمسلمين وذلك كقوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} , فلذلك نص العلماء أن رفع الإصبع في التشهد إنما هو للدعاء, ونصوا أيضاً أنه يرفعه في كل التشهد.
نقل صاحب الفتوى قول المباركفوري في ((تحفة الأحوذي)): ((هذا الرفع هكذا، وإن كان في دعاء الإستسقاء، لكنه ليس مختصا به، ولذلك استدل البخاري في كتاب "الدعوات" بهذا الحديث على جواز رفع اليدين في مطلق الدعاء)).
عجيب هذا النقل فنحن نقول به!! رفع اليدين ثابت عنه عليه السلام في الدعاء ولكنه منتف في الدعاء حال خطبة الجمعة فتأملوا يا أخوة عدم دقة النظر إلى ماذا أدت بهذا الرجل.
فائدة: روى البخاري في ((كتاب الإستسقاء)) ((باب رفع الإمام يده في الإستسقاء)) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ ? لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِى شَىْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلاَّ فِى الاِسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.
وذلك بعد ((باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الإستسقاء)).
قال الحافظ في ((الفتح)): ((وقال الزين بن المنير ما محصله: لا تكرار في هاتين الترجمتين, لأن الأولى لبيان اتباع المأمومين الإمام في رفع اليدين, والثانية لإثبات رفع اليدين للأمام في الاستسقاء.)).
¥