وقال: ((قوله: ((إلا في الاستسقاء)) ظاهره نفي الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء, وهو معارض بالأحاديث الثابتة بالرفع في غير الاستسقاء وقد تقدم أنها كثيرة.)).
قال أبو الزهراء: وبما أننا نخصص رفع اليدين للإمام في خطبة الجمعة في حال الإستسقاء, فكذلك رفع اليدين للمأمومين فقط في حال الإستسقاء.
قال صاحب الفتوى: ((قلت: ومما يدلك على أن رفع اليدين على المنبر ليس مختصا بالإستسقاء، أنه قال في الحديث نفسه:
... ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب ... فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها؟ قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: ((اللهم حوالينا ولا علينا)).
فدعاءه صلى الله عليه وسلم الثاني هذا، لم يكن للإستسقاء يقينا، وإنما كان لرفع الضرر ودفع البلاء وهذا يرد على قول ابن تيمية رحمه الله: "و يكره للإمام رفع يديه حال الخطبة".)).
قال أبو الزهراء: الله المستعان, قال بأن الدعاء الثاني ما كان للإستسقاء مع أن فيه ((اللهم حوالينا ولا علينا)) , وهل هذا إلا طلب للمطر, فلعل المفتي لا يعرف معنى الإستسقاء قال الحافظ في ((الفتح)): ((الاستسقاء لغةً: طلب سقي الماء من الغير للنفس أو للغير, وشرعاً: طلبه من اللَّه تعالى عند حصول الجدب على وجه مخصوص)). فهل في الدعاء الثاني استسقاء أم لا؟
وقد بوّب البخاري رضي الله عنه في ((صحيحه)) باب ((الدُّعَاءِ إِذَا كَثُرَ الْمَطَرُ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا)) وذكر فيه الحديث عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ ? يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقَامَ النَّاسُ فَصَاحُوا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَحَطَ الْمَطَرُ وَاحْمَرَّتِ الشَّجَرُ وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ، فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا. فَقَالَ «اللَّهُمَّ اسْقِنَا». مَرَّتَيْنِ، وَايْمُ اللَّهِ مَا نَرَى فِى السَّمَاءِ قَزَعَةً مِنْ سَحَابٍ، فَنَشَأَتْ سَحَابَةٌ وَأَمْطَرَتْ، وَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ لَمْ تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِى تَلِيهَا، فَلَمَّا قَامَ النَّبِىُّ ? يَخْطُبُ صَاحُوا إِلَيْهِ تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسُهَا عَنَّا. فَتَبَسَّمَ النَّبِىُّ ? ثُمَّ قَالَ «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا». فَكُشِطَتِ الْمَدِينَةُ، فَجَعَلَتْ تُمْطِرُ حَوْلَهَا وَلاَ تَمْطُرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً، فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِى مِثْلِ الإِكْلِيلِ.
وبوب أيضاً ((الدُّعَاءِ إِذَا تَقَطَّعَتِ السُّبُلُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَطَرِ)) قال حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى نَمِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ? فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الْمَوَاشِى وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ? فَمُطِرُوا مِنْ جُمُعَةٍ إِلَى جُمُعَةٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ? فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ? «اللَّهُمَّ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ وَالآكَامِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ». فَانْجَابَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ.
وبهذا ينتهي التعقيب على صاحب الفتوى ويصح قولنا والحمد لله رب العالمين.
القول الثالث: أن رفع الإصبع ليس في الدعاء وإنما في الكلام والوعظ ومخاطبة الناس, مع جواز رفع اليدين عند الدعاء في الخطبة. وهو ما ذهب إليه في ((عون المعبود)) قال: ((لأنّ رفع اليدين في الدعاء ليس مأثورا بهذه الصفة (أي بالإشارة بالإصبع) بل أراد الراوي أنّ رفع اليدين كلتيهما لتخاطب السامعين ليس من دأب النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنما يشير بإصبعه السبابة.)).
قال أبو الزهراء: وهذا القول مردود فقد اتفق شُعْبَةُ، وَزَائِدَةُ، وزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وهُشَيْمٌ، ومُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، والثَّوْرِىُّ من رواية الفريابى عنه، سبعتهم على أن بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ كان رافعاً يديه على المنبر يدعو.
كما فصّل أبو محمد الألفي ففي كل هذه الروايات أن بشر بن مروان رفعهما في الدعاء, فقبحهما عمارة بن رؤيبة عند رفعهما في هذا الموضع, ونص على أن الرسول لم يفعل إلا أن أشار بأصبعه.
ونضيف بأن عمارة لابد وأن قصد شيئاً من إثنين: إما أن يكون قبحهما عند رفعهما للدعاء لأن هذا ليس من هديه عليه السلام, وإما أنه قبحهما للرفع مطلقاً سواءً للمخاطبة أو للدعاء.
فلو فرضنا أنه لم تأتي أي رواية تؤيد ما ذهبنا إليه, لما كان ما ذهبوا هم إليه أولى بالصواب مما ذهبنا نحن إليه.
تم الكلام في رفع اليدين.}}.
فمن كان لديه تعليق فلا يبخل به. جازاكم الله الجنة.
¥