8 - قال ابن عبدالبر في التمهيد: قال مالك والشافعي صلاة المنفرد في بيته في رمضان أفضل، قال مالك: وكان ربيعة وغير واحدٍ من علمائنا ينصرفون ولا يقومون مع الناس.
قال مالك: وأنا أفعل ذلك، وما قام رسول الله e إلا في بتيه. واحتج الشافعي بحديث زيد بن ثابت –السابق ذكره- قال الشافعي: ولاسيما مع رسول الله e في مسجده وعلى ما كان في ذلك كله من الفضل.
وروينا عن ابن عمر وسالم والقاسم وإبراهيم ونافع أنهم كانوا ينصرفون ولا يقومون مع الناس. أهـ ().
9 - قال ابن القاسم: وسألت مالكاً عن قيام الرجل في رمضان أمع الناس أحب إليك أم في بيته؟ فقال: إن كان يقوى في بيته فهو أحب إليَّ وليس كل الناس يقوى على ذلك ().
10 - قال الشافعي في الأم: فأما قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحبُّ إلي منه ().
القول الثالث: هناك تفصيلٌ في المسألة:
والظاهر من هذا القول قبل سياقه وذكره أن من قال بالقول الثاني وهو أفضلية الصلاة في البيت مقرٌ بهذا ولكن لم ينقل عنهم نصاً.
والقائلون: بالقول الثالث هذا تكون الصلاة عندهم في البيوت أفضل ولكن بشروط.
فالقولان إذاً متقاربان، لكن ها هنا شروطٌ نص عليها أصحاب هذا القول.
وقد عَبَّر ابن حجر في فتح الباري فقال: (وعند الشافعية في أصل المسألة ثلاثة أوجه: ثالثهما من كان يحفظ القرآن ولا يخاف الكسل ولا تختل الجماعة في المسجد بتخلفه فصلاته في الجماعة والبيت سواء فمن فقد بعض ذلك فصلاته في الجماعة أفضل) أهـ ().
وقوله أنها في الفضيلة سواءً في نظر فقد ذكر النووي رحمه الله في المجموع () هذا القول وأن ممن قال به العراقيون والصيدلاني والبغوي وغيرهما من الخراسانيين وهم يرون أن الانفراد أفضل ثم ذكر بعد ذلك شروطهم السابقة.
وهو أيضاً ما ذكره العراقي في طرح التثريب () أن الانفراد أفضل بشروطه.
وممن قال بمثل هذا التفصيل قبل الشافعية رحمهم الله الإمام الليث بن سعد فقد نقل عنه الحافظ بن عبدالبر في التمهيد () أنه قال: لو أن الناس قاموا في رمضان لأنفسهم وأهليهم كلهم حتى يترك المسجد لا يقوم فيه أحد لكان ينبغي أن يخرجوا من بيوتهم إلى المسجد حتى يقوموا فيه، لأن قيام الناس في شهر رمضان من الذي لا ينبغي تركه وهو مما بين عمر بن الخطاب للمسلمين وجمعهم عليه ...
قال الليث: فأما إذا كانت الجماعة فلا بأس أن يقوم الرجل نفسه في بيته ولأهل بيته .. وحجته (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وقد ورد عن علي بن أبي طالب أنّه مرّ على المساجد وفيها القناديل في شهر رمضان فقال: نوَّر الله على عمر قبره كما نوّر علينا مساجدنا. أهـ.
وقال أبو جعفر الطحاوي كما نقله عنه غير واحد:
قيام رمضان واجب على الكفاية لأنهم قد أجمعوا أنه لا يجوز للناس تعطيل المساجد عن قيام رمضان فمن فعله كان أفضل ممن انفرد كسائر الفروض التي هي على الكفاية. قال: وكل من اختار التفرد فينبغي أن يكون ذلك على أن لا يقطع معه القيام في المساجد فأما التفرد الذي يقطع معه القيام في المساجد فلا. أهـ ().
وقد عدَّ ابن حجر رحمه الله قول الطحاوي أنه واجب على الكفاية مبالغة وقال العراقي في طرح التثريب: فيه نظر.
لكن الموجود لدينا في كتابه شرح معاني الآثار أنه يرى صلاة المنفرد أفضل فقد قال بعد حديث زيد بن ثابت: (فاعلمهم أن صلاتهم في منازلهم وحداناً أفضل من صلاتهم معه في مسجده)، فصلاتهم تلك في منازلهم أحرى أن تكون أفضل من الصلاة مع غيره في غير مسجده.
فتصحيح هذين الأثرين يوجب أن حديث أبي ذرٍ هو على أن يكتب بالقيام مع الإمام قنوت بقية ليلته.
وحديث زيد يوجب أن من فعل في بيته فهو أفضل من ذلك، حتى لا يتضاد هذان الأثران. أهـ ().
ثم قال بعد سياق آثار الصحابة والتابعين فهؤلاء الذين روينا عنهم من هذه الآثار كلهم يفضل صلاته وحده في شهر رمضان، على صلاته مع الإمام، وذلك هو الصواب (2).
الراجح من الأقوال:
وبعد هذه الجولة السريعة مع المسألة السادسة من مسائل قيام الليل وهي أدائها في البيوت في رمضان وغيره يكون الترجيح بين أقوال العلماء كالتالي:
أن الصلاة في البيوت أفضل بشرط أن لا تنقطع الصلاة في المساجد عن العامة وغيرهم.
وننقل نصَّ الحافظ ابن عبدالبر في الاستذكار وترجيحه:
(القيام في رمضان نافلة.
ولا مكتوبة إلا الخمس.
¥