وما زاد عليها فتطوع بدليل حديث طلحة: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تَطوَّع. وقال عليه السلام: صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة.
فإذا كانت النافلة في البيت أفضل منها في مسجد النبي e ، والصلاة فيه بألف صلاة فأي فضل أبين من هذا؟!.
ولهذا كان مالك والشافعي ومن سلك سبيلهما يرون الانفراد في البيت أفضل من كل نافلة.
فإذا قامت الصلاة في المساجد في رمضان، ولو بأقل عددٍ فالصلاة حينئذٍ في البيت أفضل. أهـ (3).
وقال رحمه الله في التمهيد: فإذا صح أنه تطوَّع فقد علمنا بالسنة الثابتة أن التطوع في البيوت أفضل، إلا قيام رمضان لابد أن يقام اتباعاً لعمر، واستدلالاً بسنة رسول الله e في ذلك.
فإذا قامت الصلاة في المساجد فالأفضل عندي حينئذٍ حيث تصلح للمصلي نيته وخشوعه وإخباته وتدبره ما يتلوه في صلاته، فحيث كان ذلك مع قيام سنة عمر فهو أفضل إن شاء الله ().
وغاية ما عند الطرف القائل بأفضليتها في الجماعة أدلة عامة.
وأما أدلة من قال بأفضليتها في البيوت إذا لم تعدم المساجد واستطاع الإنسان أن يقوم ولو جزءً من الليل فهي أدلة خاصة ونص في موضع النزاع.
فالصلاة بالاتفاق نافلة. والقائل بأفضلية النافلة في البيت هو محمد e.
لكن يبقى هنا أمورٌ حتى تتضح بعض الأشياء:
1 - إذا تعطلت الصلاة في المساجد مثل القرى وغيرها ووجد من يحفظ القرآن فالأفضل له أن يقوم بالناس إحياءً لهذه الشعيرة الظاهرة لأن صلاته في بيته نفعها قاصرٌ عليه وصلاته مع الجماعة نفعها متعدٍ للأمة. وهو كلام الليث والطحاوي.
2 - إذا كان الإنسان وجيهاً بحيث لو تركها في المسجد قد يتركها الناس فالأفضل أن يصليها مع الناس وله بعد ذلك أن يكمل في بيته ما شاء وهذا ما ذهب إليه أحمد بن حنبل رحمه الله حيث قال: وإن كان رجل يُقتدى به فصلاها في بيته خفت أن يقتدي به الناس.
أما لو استطاع أن يخرج من الجماعة بدون أن يُسبب مضرة لهذه الجماعة أو كان يُصلي معهم أيام ويخرج أيام أو يعرفون أنه يصليها في بيته فلا بأس.
3 - لو قائل قائل كيف نصنع مع حديث (إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة) ().
فالجواب أن الحديث لا يدل على أنه سيحصل على أجر من قام في بيته في آخر الليل بل المقصود الترغيب في القيام وإعطاؤه الأجر العام لا الأجر الخاص، والدليل على هذا المعنى أن يقال فكيف تقول في حديث (من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام الليل) ().
فهل الحديثان يتفقان في الأجر والمثوبة أم أن هناك فرق؟
لا شك أن هناك فرق يتضح من أول نظرة لهما، فإن كان هناك اشتراك في الأصل العام وهو القيام فإن هناك مفارقة في كيفية وزمن الأداء.
4 - الاستدلال بمائة ألف صلاة في مكة أو ألف صلاة في المدينة بأن النوافل تضاعف وتتفاضل فيها فيه نظر، والنبي e كان خطابه في المسجد النبوي ,أخبرهم أن صلاتهم النافلة في بيوتهم أفضل من مسجده.
ثم هناك مثالٌ يُقرب المعنى: رجلٌ قرأ القرآن عشر مرات في رمضان ولكن بدون كبير تدبر ولم يحرك فيه دوافع الخير والإيمان إلى الحد الذي يزجره عن الشهوات، ورجل قرأ في رمضان سورة البقرة لكنها أثَّرت فيه وزجرته فهو يتدبرها ويقف عند حروفها ومعانيها.
فهذان الرجلان أيهما أفضل؟
لا شك أن الذي تأمل وتدبر أفضل، ولو ظن الأول أن مُجردَ كثرة الحروف وكل حرف بعشر حسنات تجعله أفضل لكان مخطئاً، فالمقصود هو تحقيق مراد الشرع من القراءة.
وهكذا قيام الليل ورمضان المقصود تحقيق مراد الشرع بعدم اتخاذ البيوت قبور وغير ذلك من المقاصد.
5 - لو اعترض معترض لِمَ صلاها رسول الله e في المسجد؟ والجواب من ظاهر الحديث لأمور:
1 - لأنه e كان معتكفاً، والمعتكف لا يخرج من البيت.
2 - لبيان جواز الجماعة في التراويح والنوافل وحتى يقتدي به من ليس معهم من القرآن إلا قليل لا يمكن أن يقوموا به لوحدهم، والله أعلم.
6 - الناشئة الذين يذهب بهم المربون من معلمي حلقات القرآن وغيرهم إلى المجاورة في مكة أو المدينة وما شابه ذلك أيهما أفضل لهم؟
لا شك أن بقاءهم في بيوتهم في هذا الزمن الذي كثر فيه الشر والخبث قد يؤثر عليهم من ناحية إيمانهم قد لا يستطيعون التدرب والتعود على قيام الليل لما في البيوت من المنكرات والملهيات فتعويدهم على القيام جماعةً في رمضان أمرٌ طيب ومُرغَّبٌ فيه وهم ليسوا مخاطبين بهذا الكلام، لأن القضية منوطة بالمصحلة والمصلحة هنا يقابلها مفسدة كبرى فذهابهم إلى مكة والمدينة واعتكافهم أو مجاورتهم مصلحة أكبر خاصةً وأنهم لم يذهبوا لأجل صلاة التراويح، وإنما ذهابهم لأجل التربية والتوجيه.
وأخيراً ..
قال المعلمي عبدالرحمن بن يحيى رحمه الله (ومن تدبر السنة وتحقق أحوال الناس علم أنه قد تطرق إلى هذا الأمر غير قليل من الخطأ والغلط ومخالفة السنة وشرح ذلك يطول) أهـ. قيام رمضان.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، اللهم لا تجعل هذا الكلام فتنة لبعض الناس فيصدوا عن الصلاة في المساجد، ويؤذوا إخوانهم المسلمين بكثرة الجدل والمراء.
اللهم إن كان صواباً فبارك فيه وإن كان خطأ فتجاوز وارحم إنك على كل شيءٍ قدير.
تم بحمد الله
الحواشي في الملف الوورد المرفق مع البحث
¥