قال -رحمه الله - في تمام المنة - (ص/126: 129): ومن (مسائل تتعلق بالغسل) قوله - أي الشيخ سيد سابق - رحمه الله في فقه السنة -: " 1 - يجزئ غسل واحد عن حيض وجنابة أو عن جمعة وعيد أو عن جنابة وجمعة إذا نوى الكل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإنما لكل امرئ ما نوى "
قلت: الذي يتبين لي أنه لا يجزىء ذلك بل لا بد من الغسل لكل ما يجب الغسل له غسلا على حدة فيغتسل للحيض غسلا وللجنابة غسلا آخر أو للجنابة غسلا وللجمعة غسلا آخر لأن هذه الأغسال قد قام الدليل على وجوب كل واحد منها على انفراده فلا يجوز توحيدها في عمل واحد ألا ترى أنه لو كان عليه قضاء شهر رمضان أنه لا يجوز له أن ينوي قضاءه مع صيامه لشهر رمضان أداء وهكذا يقال في الصلاة ونحوها والتفريق بين هذه العبادات وبين الغسل لا دليل عليه ومن ادعاه فليتفضل بالبيان
واستدلال المصنف بقوله صلى الله عليه وسلم: " وإنما لكل امرئ ما نوى " لا وجه له ههنا وليس له العموم الذي نزع إليه المصنف إذ المعنى: له ما نوى من النية الصالحة أو الفاسدة في العمل المشروع بمعنى أن العمل المشروع لا يكون مقبولا عند الله إلا إذا كانت النية فيه صالحة بخلاف ما إذا كانت النية فاسدة
مثل أن يقصد به غير وجه الله تعالى فحينئذ لا يقبل عمله ويدلك على أن هذا هو المراد من الحديث تمامه وهو: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله (وهذه هي النية الصالحة) ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها (وهذه هي النية الفاسدة) فهجرته إلى ما هاجر إليه "
وخلاصة القول أن الحديث إنما يدل على صلاح العمل الذي ثبت في الشرع جوازه إذا اقترنت به النية الصالحة وأما أنه يدل على صلاح ما لم يثبت جوازه بدليل خاص لمجرد اقترانه بالنية الصالحة فلا دليل فيه البتة وهذا بين لا يخفى
وقد عكس ابن حزم فاستدل بالحديث على ما ذهبنا إليه فقال بعد أن ذكر أن من أجنب يوم الجمعة فلا يجزيه إلا غسلان غسل ينوي به الجنابة وغسل آخر ينوي به الجمعة. . الخ
قال (2/ 43): " برهان ذلك قول الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى " فصح يقينا أنه مأمور بكل غسل من هذه الأغسال فإذ قد صح ذلك فمن الباطل أن يجزئ عمل عن عملين أو أكثر وصح يقينا أنه إن نوى أحد ما عليه من ذلك فإنما له بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادقة الذي نواه فقط وليس له ما لم ينوه فإن نوى بعمله ذلك غسلين فصاعدا فقد خالف ما أمر به لأنه مأمور بغسل تام لكل وجه من الوجوه التي ذكرنا فلم يفعل ذلك والغسل لا ينقسم فبطل عمله كله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا
فهو رد "
ثم ذكر أنه ذهب إلى ما اختاره من عدم الإجزاء جماعة من السلف منهم جابر بن زيد والحسن وقتادة وإبراهيم النخعي والحكم وطاوس وعطاء وعمرو بن شعيب والزهري وميمون بن مهران قال: " وهو قول داود وأصحابنا "
وقد ساق الآثار بذلك عنهم فراجعها ويحسن أن يلحق بهم أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه فقد روى الحاكم (1/ 282) من طريق يحمص بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة قال: دخل علي أبى وأنا أغتسل يوم الجمعة فقال: غسل من جنابة أو للجمعة؟ قال: قلت: من جنابة
قال: أعد غسلا آخر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلى الجمعة الأخرى "
وقال الحاكم: " حديث صحيح على شرط الشيخين "
ووافقه الذهبي فلو كان أبو قتادة يرى إجزاء الغسل الواحد عن الغسلين لما أمره بإعادة غسل واحد للجمعة بل لقال له: انو في غسلك من الجنابة الغسل للجمعة أيضا
لكن في صحة الإسناد المذكور نظر لأن يحيى بن أبي كثير مدلس وقد عنعنه ثم إن في الطريق إليه هارون بن مسلم العجلي وليس من رجال الشيخين بل ولا روى له أحد من الستة شيئا وقد قال فيه الحاكم عقب هذا الحديث: " ثقة روى عنه أحمد بن حنبل وعبد الله بن عمر القواريري "
وروى عنه جماعة آخرون وذكره ابن حبان في " الثقات " وأخرج له هو وابن خزيمة في " صحيحيهما " كما في " التهذيب " وقال: قال أبو حاتم: " فيه لين "
وقال في " التقريب ": " صدوق "
فالظاهر أنه حسن الحديث على الأقل
وقد رواه من طريقه الطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع " (2/ 174) وقال: " وفيه هارون بن مسلم قال أبو حاتم: فيه لين
ووثقه الحاكم وابن حبان وبقية رجاله ثقات " ثم خرجته في " الصحيحة " (2321). انتهى كلامه - رحمه الله بحروفه.
هذا كلام والله ينشرح له الصدر ويميل إليه