تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإنما كان قول سيبويه أحسن، لأن تقييد المعطوف بالصفة لا يقتضي تقييد المعطوف عليه بها، ولو قلت: طاعة أمثل لساغ ذلك وإن لم يعطف عليها.

ومنه وقوع النكرة في سياق تفصيل بعد إجمال، كما إذا قلت: اقسم هذه الثياب بين هؤلاء فثوب لزيد وثوب لعمرو وثوب لبكر، فإن النكرة هاهنا تخصصت وتعينت وزال إبهامها وشياعها في جنس الثياب، بل تخصصت بتلك الثياب المعينة فكأنك قلت: ثوب منها لزيد وثوب منها لعمرو وهذا تقييد وتخصيص.

ومنه الابتداء بالنكرة إذا لم يكن الكلام خبراً محضاً بل فيه معنى التزكية والمدح، فمن ذلك قولهم: أمت في الحجر لا فيك لأنهم لم يقولوا: أمت في الحجر، وسكتوا حتى قرنوه بقولهم: لا فيك، فصار معنى الكلام نسبة الأمت إلى الحجر أقرب من نسبته إليك، والأمت بالحجر أليق به منك، لأنهم أرادوا تزكية المخاطب ونفي العيب عنه ولم يريدوا الإخبار عن أمت بأنه في الحجر بل هو في حكم النفي عن الحجر وعن المخاطب معاً إلا أن نفيه عن المخاطب أوكد، وإذا دخل الحديث معنى النفي فلا غرو أن يبتدأ بالنكرة لما فيه من العموم والفائدة.

*قولهم (شر أهر ذا ناب):

ومن هذا قولهم: (شر أهر ذا ناب) وفيه تقديران:

أحدهما: أنه على الوصف أي شر عظيم أو شر مخوف أهره.

والثاني: أنه في معنى كلام آخر وهو: ما أهر ذا ناب إلا شر، أو إنما أهره شر، ولا ريب

في صحة المسألة على وجه الفاعلية، فهكذا إذا كانت على وجه المبتدأ والخبر الذي في معناه، ومنه قولهم: شر ما جاء به، لأن معنى الكلام: ما جاء به إلا شر، فأدت ما الزائدة هنا معنى شيئين: النفي والإيجاب، كما أدته في قولك: إنما جاء به شر، وفي قوله تعالى: {فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 88] أي: ما يؤمنون إلا قليلاً، وقليلاً ما يذكرون. وقوله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} [المائدة: 13]، أي: ما لعناهم إلا بنقضهم ميثاقهم، ونحو: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: من الآية159] أي: ما لنت لهم إلا برحمة من الله، ولا تسمع قول من يقول من النحاة أن (ما) زائدة في هذه المواضع، فإنه صادر عن عدم تأمل.

فإن قيل: فمن أين لكم أفادت (ما) هذه المعنيين المذكورين من: النفي والإيجاب: وهي لو كانت على حقيقتها من النفي الصريح لم تفد إلا معنى واحد، وهو النفي، فإذا لم يكن النفي صريحاً فيها كيف تفيد معنيين؟

قيل: نحن لم ندع أنها أفادت النفي والإيجاب بمجردها، ولكن حصل ذلك منها ومن القرائن المحتفة بها في الكلام، أما قولهم: شر ما جاء بها، فلما انتظمت مع الاسم النكرة، والنكرة لا يبتدأ بها فلما قصد إلى تقديمها علم أن فائدة الخبر مخصوصة بها، وأكد ذلك التخصيص ب (ما) فانتفى الأمر عن غير الاسم المبتدأ، ولم يكن إلا له حتى صار المخاطب يفهم من هذا ما يفهم من قوله ما جاء به إلا شر، واستغنوا هنا ب (ما) هذه عن (ما) النافية وبالابتداء بالنكرة عن (إلا).

وأما قولك: إنما زيد قائم فقد انتظمت ب (أن) وامتزجت معها، وصارتا كلمة واحدة، وأن تعطي الإيجاب الذي تعطيه (إلا) وما تعطي النفي، ولذلك جاز: إنما يقوم أنا، ولا تكون أنا، فاعلة إلا إذا فصلت من الفعل ب (إلا)، تقول: ما يقوم إلا أنا، ولا تقول: يقوم أنا. فإذا قلت: إنما قام أنا صرت كأنك لفظت (ما) مع إلا قال:

أدافع عن أعراض قومي وإنما=== يدافع عن أعراضهم أن أو مثلي

فإذا عرفت أن زيادتها مع (أن) واتصالها بها اقتضى هذا النفي والإيجاب، فانقل هذا المعنى إلى اتصالها بحرف الجر من قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: 59ا]، و {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} [المائدة: 13]، وتأمل كيف تجد الفرق بين هذا التركيب وبين أن يقال: فبرحمة من الله، وفبنقضهم ميثاقهم. وأنك تفهم من تركيب الآية ما لنت لهم إلا برحمة من الله، وما لعناهم إلا بنقضهم ميثاقهم، وكذلك قوله: {فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} دلت على النفي بلفظها وعلى الإيجاب بتقديم ما حقه التأخير من المعمول وارتباط ما به مع تقديم. كما قرر في قولهم شر ما جاء به.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير