تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحدها: أن السلام الأول قد وقع الأنس بينهما به، وهو مؤذن بسلامه عليه خصوصاً، فكأنه قال: سلام مني عليك كما تقدم، وهذا أيضاً من فوائد تنكر السلام الابتدائي للإيذان بأنه سلام مخصوص من المسلم، فلما استقر ذلك، وعلم في صدر الكتاب، كان الأحسن أن يسلم عليه سلاماً هو أعم من الأول لئلا يبقى تكراراً محضاً، بل يأتي بلفظ يجمع سلامه وسلام غيره، فيكون قد جمع له بين السلامين: الخاص منه، والعام منه ومن غيره، ولهذه الفائدة استحسنوا أن يكون قول الكاتب: وفلان يقرئك السلام، وفلان في آخر المكاتبة بعد والسلام عليك لهذا الغرض.

الفائدة الثانية: أنه قد تقدم أن السلام المعرف اسم من أسماء الله، وقد افتتح الكاتب رسالته بذكر الله فناسب أن يختمها باسم من أسمائه وهو السلام، ليكون اسمه تعالى في أول الكتاب وآخره وهذه فائدة بديعة.

الفائدة الثالثة: بديعة جداً، وهي جواب السؤال التاسع بعد هذا، وهي أن دخول الواو العاطفة في قول الكاتب: والسلام عليكم ورحمة الله فيها وجهان:

أحدهما: قول ابن قتيبة أنها عطف على السلام المبدوء به، فكأنه قال: والسلام المتقدم عليكم، والقول الثاني: إنها لعطف فصول الكتاب بعضه على بعض، فهي عطف لجملة السلام على ما قبلها من الجمل، كما تدخل الواو في تضاعيف الفصول وهذا أحسن من قول ابن قتيبة لوجوه:

منها: إن الكلام بين السلامين قد طال فعطف آخره بعد طوله على أوله قبيح غير مفهوم من السياق.

الثاني: إنه إذا حمله على ذلك، كان السلام الثاني هو الأول بعينه فلم يفد فائدة متجددة، وفي ذلك شح بسلام متجدد، وإخلال بمقاصد المتكاتبين من تعداد الجمل والفصول، واقتضاء كل جملة لفائدة غير الفائدة المتقدمة، حتى أن قارىء الكتاب كلما قرأ جملة منه لفائدة غير الفائدة المتقدمة تطلعت نوازع قلبه إلى استفادة ما بعدها، فإذا كررت له فائدة واحدة مرتين سئمتها نفسه، فكان اللائق بهذا المقصود أن يجدد له سلاماً غير الأول يسره به كما سره بالأول وهو السلام العام الشامل.

ولما فرغ الكاتب من فصول كتابه، وختمها أتى بالواو العاطفة مع السلام المعرف فقال: والسلام عليكم، أي وبعد هذا كله السلام عليكم، وقد تقدم أن السلام إذا انبنى على اسم مجرور قبله وكان سلام رد لا ابتداء فإنه يكون معرفاً نحو: وعليك السلام، ولما كان سلام المكاتب هاهنا ليس بسلام رد قدم السلام على المجرور، فقال: والسلام عليكم وأتى باللام لتفيد تجديد سلام آخر -والله أعلم-.

وهذه فصاحة غريبة وحكمة سلفية موروثة عن سلف الأمة وعن الصحابة في مكاتباتهم. وهكذا كانوا يكتبون إلى نبيهم صلوات الله وسلامه عليه.

وقد فرغنا من جواب السؤال التاسع المتعلق بواو العطف.

نصب سلام ضيف إبراهيم الملائكة

وأما السؤال العاشر: وهو السر في نصب سلام ضيف إبراهيم الملائكة ورفع سلامه؟ فالجواب: أنك قد عرفت قول النحاة، فيه أن سلام الملائكة تضمن جملة فعلية، لأن نصب السلام يدل على سلمنا عليك سلاماً، وسلام إبراهيم تضمن جمل إسمية، لأن رفعه يدل على أن المعنى سلام عليكم، والجملة الاسمية تدل على الثبوت والتقرر، والفعلية تدل على الحدوث والتجدد، فكان سلامه عليهم أكمل من سلامهم عليه، وكان له من مقامات الرد ما يليق بمنصبه صلى الله عليه وسلم وهو مقام الفضل إذ حياهم بأحسن من تحيتهم هذا تقرير ما قالوه وعندي فيه جواب أحسن من هذا، وهو أنه لم يقصد حكاية سلام الملائكة فنصب قوله سلاماً انتصاب مفعول القول المفرد، كأنه قيل: قالوا قولاً سلاماً، وقالوا سداداً وصواباً .. ونحو ذلك، فإن القول إنما تحكي به الجمل، وأما المفرد فلا يكون محكياً به، بل منصوب به انتصاب المفعول به.

ومن هذا قوله تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان: 63]، ليس المراد أنهم قالوا هذا اللفظ المفرد المنصوب، وإنما معناه قالوا: قولاً سلاماً مثل: (سداداً وصواباً)، وسمي القول سلاماً، لأنه يؤدي معنى السلام ويتضمنه من رفع الوحشة وحصول الاستيناس.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير