ويَتفرَّعُ على هذهِ الفائدةِ الرَّدُّ على الفلاسفةِ الذينَ يقولونَ بِقِدَمِ الأفلاكِ - يعنونَ أنّها غير مَخلوقةٍ، وأنّها أَزَلِيَّةٌ أبديةٌ - ولهذا أنكروا انشقاقَ القمرِ في عهدِ النبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ()، وقالوا: إنّ الأفلاكَ العُلْوِيَّةَ لا تقبلُ التغييرَ، ولا العَدَمَ؛ وفَسَّرُوا قولهُ تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} (القمر:1) بأنّ المرادَ ظُهورُ العلمِ، والنُّورِ برسالةِ النبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؛ ولا شكَّ أنّ هذا تحريفٌ باطلٌ مُخالِفٌ للأحاديثِ المتواترةِ الصحيحةِ في انشقاقِ القمرِ انشقاقًا حسيًا ". ()
ـ[المسيطير]ــــــــ[02 - 12 - 06, 11:29 م]ـ
6– ومِن مَلامحِ مَنهجهِ في الاستنباط: أنْ يذكرَ الفائدةَ ثم يذكرُ ما قد يُشكِلُ عليها، ويجيبَ عنه.
عند تفسيره لآيةِ الدَّيْنِ في سورة البقرة؛ذكرَ مِن فوائدها:" أنّ المضَارَّةَ سواء وقعتْ مِن الكَاتِبِ، أو الشَّاهِدِ، أو عليهما، فُسُوقٌ؛ والفِسْقُ يترتبُ عليهِ زوالُ الولاياتِ العامّةِ والخاصّةِ إلا ما اسْتُثْنِيَ؛ والفاسقُ يُهجَر إمّا جَوَازًا؛أو استحبابًا، أو وُجُوبًا - على حسب الحال - إنْ كانَ في الهجْرِ إصلاحٌ لهُ.
فإنْ قالَ قائلٌ: أفلا يُشْكِلُ هذا على القاعدةِ المعروفةِ أنّ الفِسْقَ لا يتصفُ بهِ الفاعلُ إلا إذا تَكرَّرَ منهُ، أو كانَ كبيرةً؟.
فالجوابُ: أنّ الله تعالى حَكَمَ على المضَارَّةِ بأنّها فُسُوقٌ؛ والقرآنُ يَحكمُ،ولا يُحْكَمُ عليه ". ()
7 – ومِن مَلامحِ مَنهجهِ في الاستنباط: أنْ يبني الفائدةَ على أحدِ الأقوالِ التفسيريّةِ المرادةِ في الآيةِ، أو على أحدِ الاحتمالاتِ الواردةِ فيها.
ومِن أمثلتهِ:
عند تفسيره لقوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (البقرة: 80)
ذكرَ الخلافَ في {أَمْ} هل هي مُتَّصِلَةٌ أم مُنقطِعَةٌ، ثم ذكرَ في فوائدِ الآيةِ ():"
حُسْنُ مُجادلةِ القرآنِ؛ لأنّه حَصَرَ هذهِ الدَّعوَى في واحدٍ مِن أمرينِ، وكِلاهُمَا مُنْتَفٍ: {أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} وهذا على القولِ بأنّ {أَمْ} هُنَا مُتَّصِلَةٌ؛ أمّا على القولِ بأنّها مُنقطِعَةٌ فإنهُ ليسَ فيها إلاَّ إلزامٌ واحد ". ()
وعند تفسيره لقوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} (البقرة: من الآية175)
ذكرَ خلافَ المفسِّرينَ فيها،وذكرَ أنّ مِنهم مَن يرى أنّه تَعَجُّبٌ مِن الله تعالى؛ ومِنهم مّن يرى أنّ المرادَ بالعجبِ التَّعْجِيبَ؛كأنّهُ قالَ: اعْجَبْ أيُّهَا المخاطبُ مِن صبرهمْ على النار ()، ثم ذكرَ مِن فوائدها:" إثباتُ العَجَبِ لله تعالى لقولهِ تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} – على أحدِ الاحتمالينِ -، وهو مِن الصِّفاتِ الفعليّةِ ". ()
وعند تفسيره لقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} (البقرة: من الآية188)
قالَ في تفسيرها:" {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} أيْ تَتَوَصَّلُوا بها إلى الحكَّامِ لتجعلوا الحكَّامَ وسيلةً لأكْلِهَا بأنْ تَجْحَدَ الحقَّ الذي عليكَ وليسَ بهِ بينةٌ؛ ثم تُخاصِمُهُ عندَ القاضي فيقولُ القاضِي للمُدَّعِي عليكَ: " هَاتِ بَيِّنَةً "؛ وإذا لم يكنْ للمُدَّعِي بينةٌ تَوجَّهت عليكَ اليمينُ؛ فإذا حلفتَ بَرِئْتَ؛ فهنا تَوصَّلتَ إلى جَحْدِ مَالِ غيركَ بالمحاكمةِ؛ هذا أحدُ القولينِ في الآيةِ؛ والقولُ الثاني: أنّ مَعنى: {تُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} أي تُوصِلُوهَا إليهم بالرِّشْوَةِ ليَحْكُمُوا لكم؛ وكِلا القولينِ صحيحٌ ". ()
ثمّ ذكرَ مِن فوائدها:" تحريمُ الرِّشْوَةِ لقوله تعالى {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} على أحدِ التفسيرينِ كما سبقَ ". ()
قلْتُ: وهذه الطريقةُ في الاستنباطِ تدلُّ على ما يلي:
¥