10 - قال الله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (يونس: 15).
وفي هذا من الدلالة على رغبة الكفار في أن يقع المسلمون في تغيير الأحكام الشرعية أو تبديل الوحي المنزل، وقد بينت الآيات أنه ليس لأحد ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغير الحكم الشرعي من تلقاء نفسه، بل عليه أن يتبع الأحكام الشرعية التي يوحيها الله إليه؛ لأن من فعل ذلك فقد عرض نفسه للعذاب العظيم، قال القرطبي - رحمه الله -: «إني أخشى من الله إن خالفت أمره وغيرت أحكام كتابه وبدلت وحيه فعصيته بذلك عذاب يوم عظيم هوله» [10].
والآيات في ذلك أكثر من أن تحصر، ولو ذهبنا نتتبعها لطال بنا المقام.
وقد دلت السنة على ما دل عليه القرآن في ذلك، فمن السنة:
1 - قوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [11]، أي مردود عليه، والقول بتغيير الحكم الشرعي إحداث في الدين لم يأت به كتاب ولا سنة، ولا أثر عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مردود على صاحبه.
2 - قوله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة» [12].
فبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن النجاة في اتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين الذين اتبعوه وساروا على سنته، وأمر أن يُعض على ذلك بالنواجذ تمسكاً بها، وعدم الحيد عنها قيد أنملة، وحذر من محدثات الأمور، وبيَّن أن المحدثات في الدين ضلالة، والقول بجواز تغيير الحكم الشرعي يخالف كل ذلك، فهو يخالف التمسك بالسنة ويوقع في المحدثات.
3 - قوله صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي» [13].
فمن تمسك بالكتاب والسنة لم يضل أبداً، والمفهوم من ذلك أن من لم يتمسك يضل، والقول بجواز تغيير الحكم الشرعي مؤد لعدم التمسك بالكتاب والسنة أو ببعضها الذي تغير، والأدلة على ذلك من السنة كثيرة أيضاً.
وبالنظر إلى أصول الفقه نجد أن علماء أصول الفقه يعرّفون الحكم الشرعي بأنه «خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد أمراً أو نهياً أو تخييراً أو وضعاً» [14].
وخطاب الشارع هو الكتاب والسنة، والقول بأنه يمكن تغيير الحكم الشرعي مكافئ للقول بإمكانية تغيير خطاب الشارع، وخطاب الشارع لا يملك أحد من البشر أن يغيره، وبالتالي فمن غير المستطاع القول بجواز تغيير الحكم الشرعي، ومن وجهة نظر ثانية فإن القول بتغيير الحكم الشرعي بتغير الزمان هو نسخ للحكم الشرعي، هذا هو معنى النسخ عند الأصوليين، فالنسخ يراد به عندهم «رفع الحكم الشرعي بخطاب» أو «رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر» ونحو ذلك [15]، فمضمون النسخ على ذلك هو تغيير الحكم الشرعي الثابت وإلغاء الحكم الشرعي القائم واستحداث حكم جديد، لكن النسخ لا يكون إلا من الله تعالى أو من رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو ما يعني أن النسخ قد انقطع بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلى ذلك الأحكام الشرعية ثبتت على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يدعو يوم القيامة على من بدل شيئاً من الدين بعده فقال صلى الله عليه وسلم: «ألا ليُذادنَّ رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم ألا هلُّم! فيقال: إنهم قد بدَّلوا بعدك. فأقول: سُحقاً سُحقاً» [16]، وفي رواية: «سحقاً حقاً لمن بدل بعدي»، والقائل بجواز تغيير الحكم الشرعي لا شك أنه داخل في هذا الحديث، نسأل الله السلامة.
وقد بيّن ابن تيمية - رحمه الله - أن من يجوّز النسخ بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو «يُجوِّز تبديل المسلمين دينهم بعد نبيهم، كما تقول النصارى أن المسيح سوغ لعلمائهم أن يحرموا ما رأوا تحريمه مصلحة، ويحلوا ما رأوا تحليله مصلحة، وليس هذا دين المسلمين» [17].
¥