وقال إلكيا الهراسي: "حمله الشافعي على النهي عن الميتات، ويدل عليه ماروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: "قال المشركون: تأكلون مما مات من قبلكم ولا تأكلون مما مات من قبل ربكم، فنزلت هذه الآية (13)، وقد سبق استدلاله بقول الله تعالى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم 5 صلى الله عليه وسلم المائدة: 5} على أن التسمية لا تشترط أصلاً (14).
وقال ابن قدامة لا بأس على من نسي التسمية على الذبيحة (15).
أدلته:
1 - لأن هذه الآية ولا تأكلوا مما لم يذكر \سم الله عليه121 صلى الله عليه وسلم الأنعام: 121} محمولة على ما تركت التسمية عليه عمداً.
2 - قوله تعالى: وإنه لفسق121 صلى الله عليه وسلم الأنعام: 121} والأكل مما نسيت التسمية عليه ليس بفسق.
3 - قوله صلى الله عليه وسلم: "ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم إذا لم يتعمد" (16).
4 - قول ابن عباس: "من نسي التسمية فلا بأس" (17).
الترجيح:
الراجح والله أعلم ما ذهب إليه ابن قدامة، فالتسمية شرط لحل الذبيحة، إلا عند النسيان فلا بأس، وذلك لما يلي:
أولاً: قوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر \سم الله عليه121 صلى الله عليه وسلم الأنعام: 121} يشمل:
1 - الميتة، كما ورد في سبب نزول الآية.
2 - ما ذبح لغير الله.
3 - متروك التسمية "وإطلاق الفسق على تارك ما فرضه الله عليه - أي التسمية - غير ممتنع شرعاً" (18) فإخراج متروك التسمية من بين هذه الأمور تحكم لا دليل عليه.
وكون الآية متعلقة بالميتة لا يعني اقتصارها على ذلك، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (19)، فكما أن ما ذكر عليه اسم غير الله داخل في هذه الآية (20)، فكذلك ما ترك المسلم التسمية عليه عمداً، لأن الناسي لا يسمى فاسقاً.
قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: "باب التسمية على الذبيحة، ومن ترك متعمداً، وقال ابن عباس: من نسي فلا بأس، وقال الله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر \سم الله عليه وإنه لفسق121 صلى الله عليه وسلم الأنعام: 121} والناسي لا يسمى فاسقاً" (21).
ثانياًً: أن الفسق المراد في الآية وإنه لفسق هو: ما أهل لغير الله به بقوله تعالى: أو فسقا أهل لغير الله به 145 صلى الله عليه وسلم الأنعام: 145}.
قال ابن كثير: "وهذا المسلك الذي طرقه الشافعي قوي" (22) يعني - والله أعلم - قصره الفسق على ما أهل لغير الله به.
وقال ابن حجر - بعد أن ساق الآية -: "فرجع الزجر إلى النهي عن أكل ما ذبح لغير الله، فليست الآية صريحة في فسق من أكل ما ذبح بغير تسمية، ولعل هذا القدر هو الذي حذرت منه الآية (23).
وهذا القول لا يعني بحال تخطئة من قال: إن الأكل مما تركت التسمية عليه ليس بفسق، ولكن - أيضاً - لا يمكن المساواة في ذلك بين المتعمد والناسي.
ثالثاًً: الخطاب في قوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر \سم الله عليه121 صلى الله عليه وسلم الأنعام: 121} وقوله فكلوا مما ذكر اسم الله عليه لم يوجه إلى الناسي وذلك لأن الناسي في حال نسيانه غير مكلف، يدل عليه ما يلي:
1 - قوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها286 صلى الله عليه وسلم البقرة: 286}.
2 - قوله تعالى: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا286 صلى الله عليه وسلم البقرة: 286}.
3 - قوله تعالى: لا نكلف نفسا إلا وسعها152 صلى الله عليه وسلم الأنعام: 152}.
4 - لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها 7 صلى الله عليه وسلم الطلاق: 7}.
5 - قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" (24).
رابعاً: يؤيد ما سبق - ما ورد من - الأحاديث التي تنص على عدم اشتراط التسمية أصلاً، والتي تفيد في أوضح دلالاتها على تخصيص ما ورد في الأحاديث المشهورة الموجبة للتسمية، هذه الأحاديث وإن كانت لا ترتقي إلى درجة الأحاديث المخالفة، إلا أنها - مجتمعة - تؤيد ما سبق، خاصة إذا ضم إليها ما ذكره ابن قدامة من أدلته، ومن هذه الأحاديث:
1 - حديث: "المسلم يكفيه اسمه، فإن نسي إن يسمي حين يذبح فليذكر اسم الله وليأكله" (25).
2 - حديث: "ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر" (26).
قال الطبري - فيما نقله عنه ابن حجر -: "من قال: إن ما ذبحه المسلم فنسي أن يذكر اسم الله عليه لا يحل، فهو بعيد من الصواب، لشذوذه وخروجه عما عليه الجماعة" (27).
وهنا لابد من التنبيه إلى ما يلي:
¥