القرآنيون دركات ... فمنهم من رد السنة – لأنها مشكوك في طريقة روايتها وحفظها ... وليس لأنها من كلام رسول الله ... وهذا أهون دركاتهم ... أما صاحبنا فيقول حتى لو ثبت الحديث يقينا عن رسول الله فنحن غير ملزومين بالأخذ به ... لأننا غير ملزومين بغير القرآن ... ولا أدري من سبقه لهذه الكياسة!
وسأعرض بعض "لطائفه" على وجه السرعة:
أولا: ذكر حديث "إن رحمتي غلبت غضبي " وأنها مكتوبة عند الله فوق العرش ... ويتساءل - وبكل حصافة - ما الفائدة المرجوة من كتابة هذه الجملة حيث لا أحد من خلقه يستطيع أن يصل إليها؟
يبدو أن المؤلف لم يتم بعد ختمة القرآن عند شيخ الكتاتيب مع أنه قرآني مغالي ... يقول الله تعالى:
"و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية"
"وترى الملائكة حافين من حول العرش"
فقد نسي أن العرش مخلوق من مخلوقات الله ... ولأنه ربما أصابته "حمى النشبيه" فظن أن الله جالس على العرش مماس له كما يجلس ولي أمره على عرش بلاده ... ونسي أن الملائكة تحمله ... فهل يعقل أن الملائكة تحمل الله عزوجل؟ وهل يعقل أن هذا العرش المحمول لا يرى ما كتب عليه أحد من الملائكة؟
وصاحبنا هنا يقول ما الفائدة من كتابة هذا الكلام ولا أحد سيصل إليه؟ فماذا عن الملائكة؟ وماذا عن الذي بلغ رسول الله هذه الجملة؟ ربما ابن قرناس مذهبه الفقهي "قرآني ظاهري" في ديانة القرآنيين ... و يظن أن العلة من ذكر هذا الحديث أمام الصحابة هو اثبات أن العرش مزخرف بالكتابات العربية الأصيلة ... ولا يعرف أن الغرض هو الاعلام بعلامات رحمة الله بخلقه لدرجة أنه سبحانه كتب هذه العبارة فوق عرشه!
ضيع قرناس على القراء حلاوة هذا الحديث بالتحدث عن أمور تصلح أن تناقش بحضرة قساوسة المدينة الفاضلة وليس أمامنا نحن الغلابة.
ثانيا: ذكر حديث أن رسول الله أتى سوق بني قينقاع فجلس بفناء بيت فاطمة ..... الخ قال سفيان: قال عبيدالله أخبرني أنه رأى نافع بن جبير أوتر بركعة ..... فيستاءل ابن قرناس هل من المعقول أن بيت فاطمة في سوق بني قينقاع؟؟؟ وما مناسبة قول سفيان المذكور أعلاه؟
لم يذكر ابن قرناس مصدر الحديث سوى أن قال " كتاب البيوع " ولعله يقصد البخاري ... فرجعت للبخاري ومسلم ... ووجدت أنه سرد رواية البخاري ... وهنا سأورد رواية مسلم:
حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي هريرة قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى جاء سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى أتى خباء فاطمة فقال أثم لكع أثم لكع .... الخ
وطبعا هذه رواية مسلم تنسف عقدة ابن فرناس التي لم يفهمها لأنه ينظر إلى مربع طوله 2 سم من البحر ... وعندما رجعت لشراح الحديث فوجدتهم قد قالوا - وبأعلى صوتهم - أن الرواية التي يتشدق بها ابن قرناس مبتورة ... أي أخطا من رواها بهذا الشكل ... حتى لو كان أمير المؤمنين في الحديث ... والراوي قد نسي بعض الرواية ... ومن حفظ حجة على من لم يحفظ .... فمثلا لو جاءك رجلان يرويان لك قصة زيد ... فقال أحدهما أن زيدا هذا زارهما ثم تجاذب أطراف الحديث معهما ثم شرب من كأس ماء ثم انصرف إلى بيته ... وقال الثاني أن زيدا زارهما وتجاذب أطراف الحديث معهما ثم انصرف إلى بيته .... هل نقول أن الثاني كذاب أشر وأن القصة مختلقة ومزورة بسبب أن الثاني نسي بعض تفاصيلها كتفصيل شرب زيد للماء!! طبعا لا ... وهذا مسلم به عند العقلاء؟
ثم مادام المحدثون قد حلوا إشكال هذه الرواية فيما بينهم ... فلماذا يحشر ابن قرناس أنفه في موضوع قد أغلق بحثا ولا فائدة من ذكره سوى أنه يريد أن يثبت أنه قد اقتنى كتاب صحيح البخاري طبعة "هيئة الإفتاء" في السعودية! ... تماما كمن يضيع وقته في بحث مسألة هل أدوية "البنادول" و"الأسبرين" مسكنة للآلام أم لا؟
ولا يدري المسكين أن ما ذكرته آنفا يعد منقبة للمحدثين حيث أنهم لا يسكتون على خطأ حتى لو كان في أصح كتاب حديث عندهم ... فلا أحد فوق النقد ... ولكن من يوجه النقد يجب أن يكون مؤهلا لتوجيه النقد ... فلا ينتقد سلامة الأبنية إلا مهندس ... ولا ينتقد سلامة الأدوية إلا صيدلاني ... ولا ينتقد سلامة الأحاديث إلا محدث!
¥