تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[كيف يبتلى الصالحون في الدنيا ...................]

ـ[أم ديالى]ــــــــ[23 - 10 - 10, 08:33 م]ـ

كيف يبتلى الصالحون في الدنيا و الله يقول في القرآن: (فلَنَحيينهم حياة طيبة)؟

بسم الله الرحمن الرحيم

السؤال/

هناك بعض الأمور التي يظهر لي أن فيها تعارضاً, وأحتاج منكم أن تنوروني بعلمكم جزاكم الله خيراً. نجد أن الصالحين يبتلون في الدنيا، وعلى قدر قوة الإيمان يزيد البلاء، والله يقول في القرآن: (فلَنَحيينهم حياة طيبة).

الجواب /

الحمد لله

أولاً:

يجب أن يُعلم أن ما أخبر الله به لا يمكن أن يتعارض مع الواقع أبداً، لأن أخبار الله تعالى بلغت الغاية في الصدق، قال الله تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا) الأنعام/115، وقال: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلًا) النساء/122، وقال: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثًا) النساء/87.

ثانياً:

لا شك أن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء , وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم , وفي الابتلاء للعبد حكَم وفوائد كثيرة، في الدنيا، والآخرة.

وانظر في ذلك: جوابي السؤالين: (35914) و (21631).

وأما معنى " الحياة الطيبة " الوارد ذِكرها في قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97: فالأقوال فيها متنوعة، وليس منها أن الله يفتح للمؤمن العامل للصالحات الدنيا، ويقيه الحزن، والفقر، والسوء، فالواقع يشهد بغير هذا - بل إن أولئك من أكثر الناس ابتلاء بمثل هذا -، وجماع معنى الحياة الطيبة في الآية: حياة القلب، وسعادته، وانشراحه، وإذا رُزق شيئا من متاع الدنيا فيكون حلالاً يقنع به، وعلى ذلك جاءت أقوال المفسرين.

1. ذَكر الإمام الطبري رحمه الله أقوال العلماء في معنى " الحياة الطيبة "، وهي:

أ. يحييهم في الدنيا ما عاشوا فيها بالرزق الحلال.

ب. يرزقهم القناعة.

ج. الحياة الطيبة: الحياة مؤمنًا بالله عاملا بطاعته.

د. الحياة الطيبة: السعادة.

هـ. الحياة في الجنة.

واختار رحمه الله من هذه الأقوال - غير المتضادة -: القول الثاني، فقال:

وأولى الأقوال بالصواب: قول من قال: تأويل ذلك: فلنحيينه حياة طيبة بالقناعة؛ وذلك أن من قنعه الله بما قسم له من رِزق: لم يَكثر للدنيا تعبُه، ولم يعظم فيها نَصَبه، ولم يتكدّر فيها عيشُه باتباعه نفسه ما فاته منها وحرصه على ما لعله لا يدركه فيها ...

وأما القول الذي رُوي عن ابن عباس أنه الرزق الحلال: فهو مُحْتَمَل أن يكون معناه الذي قلنا في ذلك، من أنه تعالى يقنعه في الدنيا بالذي يرزقه من الحلال، وإن قلّ: فلا تدعوه نفسه إلى الكثير منه من غير حله، لا أنه يرزقه الكثير من الحلال؛ وذلك أن أكثر العاملين لله تعالى بما يرضاه من الأعمال: لم نرهم رُزِقوا الرزق الكثير من الحلال في الدنيا، ووجدنا ضيق العيش عليهم أغلب من السعة.

" تفسير الطبري " (17/ 291، 292).

ب. وقال ابن القيم رحمه الله:

وأطيب العيش واللذة على الإطلاق: عيش المشتاقين، المستأنسين، فحياتهم: هي الحياة الطيبة في الحقيقة، ولا حياة للعبد أطيب، ولا أنعم، ولا أهنأ منها، فهي الحياة الطيبة المذكورة في قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) وليس المراد منها الحياة المشتركة بين المؤمنين والكفار، والأبرار والفجار، من طيب المأكل، والمشرب، والملبس، والمنكح، بل ربما زاد أعداء الله على أوليائه في ذلك أضعافاً مضاعفة، وقد ضمن الله سبحانه لكل مَن عمل صالحاً أن يحييه حياة طيبة، فهو صادق الوعد الذي لا يخلف وعده، وأي حياة أطيب من حياة اجتمعت همومه كلها، وصارت هي واحدة في مرضات الله، ولم يستشعب قلبه، بل أقبل على الله، واجتمعت إرادته، وأفكاره التي كانت منقسمة، بكل واد منها شعبة على الله، فصار ذكر محبوبه الأعلى، وحبه، والشوق إلى لقائه، والأنس بقربه، وهو المتولى عليه، وعليه تدور همومه، وإرادته، وتصوره، بل خطرات قلبه ... .

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير