تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[13 - 10 - 10, 04:35 م]ـ

عرفنا أن حديث: «اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ» لا يثبت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فهل للعبارة معنى صحيح تحمل عليه؟

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ ..

نعم. لها معنى صحيح استعمله بعض السلف والأئمة ..

قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: ((وَلِهَذَا لَمَّا اسْتَشَارَ الرَّشِيدُ مَالِكًا أَنْ يَحْمِل َالنَّاسَ عَلَى «مُوَطَّئِهِ» فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: إنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ تَفَرَّقُوا فِي الْأَمْصَارِ، وَقَدْ أَخَذَ كُلُّ قَوْمٍ مِنَ الْعِلْمِ مَا بَلَغَهُمْ، وَصَنَّفَ رَجُلٌ كِتَابًا فِي الِاخْتِلَافِ فَقَال َأَحْمَدُ: لَا تُسَمِّهِ «كِتَابَ الِاخْتِلَافِ» وَلَكِنْ سَمِّهِ «كِتَابَ السِعة)).

وَلِهَذَاكَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: «إجْمَاعُهُمْ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ، وَاخْتِلَافُهُمْ رَحْمَةٌوَاسِعَةٌ».

وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: «مَايَسُرُّنِي أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمْ يَخْتَلِفُوا؛ لِأَنَّهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى قَوْلٍ فَخَالَفَهُمْ رَجُلٌ كَانَ ضَالًّا، وَإِذَا اخْتَلَفُوا فَأَخَذَ رَجُلٌ بِقَوْلِ هَذَا، وَرَجُلٌ بِقَوْلِ هَذَا كَانَ فِي الْأَمْرِ سَعَةٌ».

وهذا نص في معنى الرحمة ووجودها في الاختلاف وحسبك بقائله من إمام ..

وَثَم َّاعتراضٌ مشهورٌ أذكره مع جوابه للخطابي ـ رحمه الله ـ: «وَقَالَ هُوَ وَالْجَاحِظ: لَوْ كَانَ الِاخْتِلَاف رَحْمَةٌ لَكَانَ الِاتِّفَاقُ عَذَابًا، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ اِخْتِلَافُ الْأُمَّةِ رَحْمَةٌ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ خَاصَّةً؛ فَإِذَا اِخْتَلَفُوا سَأَلُوهُ، فَبَيَّنَ لَهُمْ».

وَالْجَوَاب عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ الْفَاسِدِ: أَنَّهُ لَايَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ رَحْمَةٌ أَنْ يَكُونَ ضِدُّهُ عَذَابًا،وَلَا يَلْتَزِمُ هَذَا وَيَذْكُرُهُ إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُتَجَاهِلٌ.

وَقَدْقَالَ اللَّه تَعَالَى: ((وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)).

فَسَمَّى اللَّيْلَ رَحْمَةً، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّهَارُ عَذَابًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالِاخْتِلَافُ فِي الدِّينِ ثَلَاثَةُأَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: فِي إِثْبَاتِ الصَّانِعِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَإِنْكَارُ ذَلِكَكُفْرٌ.

وَالثَّانِي: فِي صِفَاتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَإِنْكَارُهَابِدْعَة.

وَالثَّالِث: فِي أَحْكَامِ الْفُرُوعِ الْمُحْتَمَلَةِ وُجُوهًا، فَهَذَا جَعَلَهُ اللَّه تَعَالَى رَحْمَةً وَكَرَامَةًلِلْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِحَدِيثِ: «اِخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ».

قال الشيخ في «مختصر الفتاوى المصرية» (1/ 119): «وَأَمَّا أَنْ يَقُولُ قَائِلٌ: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ تَقْلِيدَ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ، فَهَذَا لَايَقُولُهُ مُسْلِمٌ، وَمَنْ كَانَ مُوَالِيًا لِلْأَئِمَّةِ، مُحِبًّا لَهُمْ، يُقَلِّدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا يَظْهَرُ لَهُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلسُّنَّةِ، فَهُوَ مُحْسِنٌ فِي ذَلِكَ، بَلْ هُوَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ غَيْرِهِ، فَالْأَئِمَةُ اجْتِمَاعُهُمْ حُجَّةٌقَاطِعَةٌ، وَاخْتِلَافُهُمْ رَحْمَةٌ وَاسِعَةٌ».

فَإِنْ قِيلَ: «إِنَّما قالوه لتصحيحهم للحديثِ».

قلنا: لو كان يرى شيخ الإسلام صحة الحديث لاستدل به، ولَمَا قال: «قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ .. ».

نَعَمْ. كَانَ الْخَطَّابِيُّ يَظُنُّ صِحَّتَهُ، فَكَانَ مَاذَا؟

ذَهَبَتْ صِحَّةُ الْإِسْنَادِ، وَبَقِيَتْ صِحَّةُ الْمَعْنَى الْمُدَلَّلِ عَلَيْهِ بِالْحُجَّةِوَالْبُرْهَانِ ..

وليسَ النِّزاعُ فِي صحةِ الحديثِ وعدمِهِ؛ فضعفُ الحديثِ أمرٌ مفروغٌ منهُ، وإنَّماالنزاعُ:

هلِ لهذَا الحديثِ معنًى حسنٌ قالَ بهِ بعضُ أئمةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير