تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وباطنهم مثل علنهم ومثل شعائرهم على المنابر يؤديها المؤذن والإمام بأعلى صوت وأوضح إبانة؛ وإنما يكتمون خططهم الحربية ضد أعدائهم، ويأخذون بالمبدإ الشرعي (الحرب خَدْعة)؛ إذْ يُعَمُّون عن وِجْهتهم بعد إعلان البراءة من كل عهد أو ميثاق نقضه الأعداء (والخدعة بفتح الخاء المعجمة، وسكون الدال المهملة .. هذا هو الفصيح، وأجازوا ضم الخاء وكسرها، وضم الخاء وضم الدال)، ويمنحونهم المُهْلة بعد البراءة .. وسِرِّية المسلمين في مواجهة من يريد إيذاءهم وصدَّهم عن دينهم مبدأ رباني في كل الأديان، وهو مقتضى العقل الإنساني المشترك .. وبقيت أمور عن أمتنا في السابق واللاحق فيها مدخل للتضليل وكيد الشيطان، فيجب فضح جوانب الأغلوطات فيها .. وتكدير صفاء أمتنا آتٍ من العناصر التالية حسب تصوُّرهم هم:

1 - أن التاريخ الإسلامي ليس على هذه المثالية التي أسلفتها؛ فقد حدث القتال بين الصحابة رضي الله عنهم من أجل الحكم، ومن أجل ذُحول تاريخية، وتبلور الأمرُ باغتصاب معاوية الحكم من صاحب الولاية الشرعية علي رضي الله عنهما.

2 - أن حكام المسلمين حدث منهم استبداد، وحصل تجاوز كتأخير الصلاة عن وقتها.

3 - أن المسلمين ورثوا ديار الأمم وأموالهم، وفتحوا بلدانهم عنوة، وحكموها قهراً، وكانت غنائم الحرب مما امتنَّ الله به على المسلمين.

4 - أن الإسلام استباح الرق، وأخذ الجزية من الأمم.

5 - أن المسلمين افترقوا في العقيدة الإيمانية، وتصدى بعض الخُلفاء لفرض وحماية أفكار اعتزالية.

6 - أن ظاهرة التجاوز عند بعض الحكام وضحت بجلاء بخلاف سِيَر حكام آخرين ساروا على منهج أعدل من منهج أسلافهم كعمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى.

7 - وجدت في تاريخ المسلمين أعمال ظلامية من حركات سياسية ناتجة عن أهواء عرقية ومذهبية، وهكذا بعض الأعمال الفكرية التي كشف عنها أبو حامد الغزَّالي في كتابه فضائح الباطنية، وكما في كتاب (إخوان الصفا)، وهو تأليف قوم لم يذكروا أسماءهم.

8 - أن الحركيين من المسلمين اليوم قاموا بعمليات إرهابية فاجعة، واستباحوا العمليات الانتحارية التي تزعمون أن الإسلام لا يبيحها.

قال أبو عبدالرحمن: بعض العناصر التاريخية القديمة تصدَّى لها بعض المعاصرين الذين هُزموا روحياً وفكرياً بالتأويل كالزعم أن حروب المسلمين دفاعية .. والذي أدين لله به أنه ليس في ديننا شيئ نستحيي منه فنحاول كتمه أو تأويله، بل هو واقع على الصواب والحق الذي سأشرحه إن شاء الله، وفي تاريخنا ما يؤلمنا؛ ولهذا أعود لما وعدتُ به من بيان المِحَكِّ لما هو إسلامي محض، وهو شريعة الله المعروفة في مصادرها التوثيقية ثبوتاً ودلالة، وإنما نلتمس المِحَكَّ في تطبيق المسلمين لهذه الشريعة في سلكوهم (السيرة العملية)؛ فوجدناه عقيدةً محدَّداً موصوفاً حاملها بأنه ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم؛ ففحصنا تاريخهم؛ فوجدنا ما عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على العصمة مِن الله الذي اختاره ربه لتبليغ الرسالة الربانية بيضاء لم تُشب، وبحثنا تاريخ الصحابة رضي الله عنهم فلم نجد عندهم شيئاً من الأفكار الضلالية التي افترقت عليها الأمة المنتسبة إلى قبلتنا .. ووجدنا سلوكاً عقدياً وسلوكاً عملياً معاً مردوداً إلى (الأمر الأول)، وهو ما عند (السلف الأول) الذين توزن بسيرتهم سِيَر إخوانهم من الصحابة رضي الله عنهم، ويعرف واقع الخلاف بينهم، وهم (أي السلف الأول) هم الذين على البراءة في تحرِّي الحق، والدينونة لله بذلك دون ميل للهوى .. والسلف الأول الذين هم الميزان هم الموصوفون بما هو اسم للجماعة كاسم القبيلة، وذلك في قول تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {سورة التوبة: 100}، فالصفة المحدَّدة هي أوَّليَّة السبق بالإيمان والجهاد والتميُّز بصفة المهاجرين والأنصار؛ فهو عرف عليهما يدل دلالة اسم القبيلة كقولك: التميميون والعامريون .. إلخ .. وَوَعْدُ الله لهم موجب بدون أي احتمال أنهم القدوة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله قال عنهم:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير