تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {سورة التوبة:100}، وما دام هذا خبراً لا يدخله النسخ بإطلاق فالمقتدي إنما يريد هذا الوعد الكريم؛ فلا يجده إلا في مثل سيرة من ضمن الله له هذا الوعد .. ويُعْرف التابع لهم بإحسان بأن يكون إحسانه سلامةَ اتِّباع دون خلل مقصودٍ بالمقارنة بين سيرته وعقيدته وبين سيرتهم وعقيدتهم .. ومعلوم تاريخياً أن سبقهم الأول سَبْقَ إيمانٍ وهجرة وإيواء ومناصرة للدين بالنفس والمال ولو فقد الدار والأهل والعشيرة .. ثم ألحق الله سبحانه وتعالى بهم مَن لحق بهم على مثل ما هم عليه من الإيمان والهجرة والمناصرة؛ فقال تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (3) سورة الجمعة، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {سورة الحشر: 10}، وقال تعالى عن السلف الأول ولاحقيهم: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ {74} وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {75} (سورة الأنفال)، والذين حُفِظَتْ سيرتُهم وفتاواهم ورواياتهم من هؤلاء رضي الله عنهم معروفون بأعيانهم، ولا يدخل فيهم مثل عبيد الله بن جحش الذي هاجر إلى الحبشة وارتد ومات نصرانياً (وهو أخو عبدالله رضي الله عنه)؛ فهذا هلك ليس له سيرة محفوظة، وليس داخلاً في السابقين الأولين أهل هجرة الجهاد والمناصرة؛ فقد كانت هجرته قبل ذلك للحبشة فراراً من الأذى، وله أجره لو ثبت على دينه وعاد مع من عاد في واقعة خيبر، والسابقون الأولون المعنيون هم المُمَهِّدون الأمن لمن سيعود من الحبشة مؤمناً، وهم القدوة، وصحةُ الاتباع تُوزن بهم.

وأما القتال بين الصحابة رضوان الله عليهم الذي وصفوه بأنه من أجل الحكم، ومن أجل ذحولٍ تاريخية .. إلى ما ذكروه من انتهاء السلطة إلى معاوية رضي الله عنه اغتصاباً: فالحق في ذلك أن الخلافة بدأت بالإشارات الضرورية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي حَكَم جِلَّةٌ من العلماء على أنها نصٌّ على أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه الخليفة بعده، والحق قول الإمام أبي محمد ابن حزم رضي الله عنه: إن خلافة أبي بكر رضي الله عنه ثابتة بالنص .. وقد بايعوه وهم مجمعون على أنه الأولى، وعهد بها رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه؛ لأنه وزير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولأنهما الإمامان اللذان أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالاقتداء بهما، ثم عهد عمر رضي الله عنه بالأمر شورى لا تخرج عن ستة مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راضٍ، وهم مع أبي بكر وعمر من العشرة المشهود لهم بالجنة جميعاً رضي الله عنهم، ولم يعهد لابنه عبدالله الورِع بشيئ من الأمر سوى أن يكون مشرفاً شاهداً منظماً لأمر الشورى؛ فتم الاختيار لعثمان رضي الله عنه .. وههنا استراحة ضرورية، وهي أن الخلافة الاختيارية لا تكون بأصوات غوغائية مِن الأمة مَن غاب منهم ومَن حضر؛ وإنما تكون البيعة ممن حضر في دار الخلافة من عدول الأمة وعلمائها ومقدَّميها كزعماء العشائر والقرى، وإذا أُوجِبتْ البيعة وتم القبول لزمت كل من حضر ومن لم يحضر .. وتولى الأمر عثمان رضي الله عنه على مشارف فتنة أدركها عمر رضي الله عنه في آخر عهده عندما رأى شَغَب أهل الكوفة، وتعنُّتَهم بطلبهم عزل الولاة، وقد اشتكى عمر رضي الله عنه بذور هذه الفتنة، ولكن لا مجال لهذه البذور أن تظهر على المسرح الهمجي؛ لأن عمر رضي الله عنه فوق مستوى الشبهة؛ لعدالته وحنكته التي لا تعرف

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير