و قال الشيخ علي الشبل في كتاب ((التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري)) (ص36): ((والاستطابة لرائحة خلوف فم الصائم من جنس الصفات العُلى، يجب الإيمان بها مع عدم مماثلة صفات المخلوقين))
وقال الشيخ البراك: قوله: " ... مع أنه سبحانه تعالى منزه عن استطابة الروائح ... إلخ": هذا الجزم من الحافظ رحمه الله بنفي صفة الشم عن الله تعالى الذي هو إدراك المشمومات لم يذكر عليه دليلاً إلا قوله: "إذ ذاك من صفة الحيوان"، وهذه الشبهة هي بعينها شبهة كل من نفى صفة من صفات الله سبحانه من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة. وهي شبهة باطلة؛ فما ثبت لله تعالى من الصفات يثبت له على ما يليق به ويختص به كما يقال ذلك في سمعه وبصره وعلمه وسائر صفاته. وصفة السمع ليس في العقل ما يقتضي نفيها فإذا قام الدليل السمعي على إثباتها وجب إثباتها على الوجه اللائق به سبحانه، وهذا الحديث - وهو قوله: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" - ليس نصاً في إثبات الشم، بل هو محتمل لذلك، فلا يجوز نفيه من غير حجة، وحينئذ فقد يقال: إن صفة الشم لله تعالى مما يجب التوقف فيه لعدم الدليل البين على النفي أو الإثبات فليتدبر، والله أعلم بمراده ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم. تعليقات الشيخ البراك على المخالفات العقدية في فتح الباري [ص 15]
الروائح الطيبة وفائدتها على الصحة
وللرائحة الطيبة أثر في حفظ الصحة فإنها غذاء الروح، والروح مطية القوى، والقوى تزداد بالطيب وهو ينفع الأعضاء الباطنة كالدماغ والقلب ويسر النفس، وهو أصدق شيء للروح وأشده ملاءمة، ولهذا في مسلم من حديث ابن عمر أنه عليه السلام تبخر {بالألوة} بفتح الهمزة وضمها، وهي العود الذي يتبخر به وبكافور يطرحه معها.وللنسائي والبخاري في تاريخه من حديث عائشة {أنه عليه السلام كان يطيب بالمسك والعنبر} وفي الصحيح أو في الصحيحين {أنها طيبته لإحرامه ولحله منه بالمسك}.روى النسائي عن الحسين بن عيسى القومسي عن عفان عن سلام بن سليمان أبي المنذر عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {حبب إلى من الدنيا النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة} ورواه أحمد عن عفان أو عن غيره عن سلام. الآداب الشرعية لابن مفلح [3/ 24]
عرق جسم النبي صلى الله عليه وسلم وطيبه
الأحاديث الواردة في ذلك:
عن جابر بن سمرة قال صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الأولى ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدى أحدهم واحدا واحدا - قال - وأما أنا فمسح خدى - قال - فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جؤنة (ما يعد فيه الطيب ويحرز) عطار. رواه مسلم [7/ 80] برقم 6197
وعن أنس قال كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ إذا مشى تكفأ ولا مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. رواه البخاري [3/ 39] برقم 1973،ومسلم [7/ 81] برقم 6200
عن أنس عن أم سليم أن النبى - صلى الله عليه وسلم- كان يأتيها فيقيل عندها فتبسط له نطعا (البساط من الجلد) فيقيل عليه وكان كثير العرق فكانت تجمع عرقه فتجعله فى الطيب والقوارير فقال النبى - صلى الله عليه وسلم- «يا أم سليم ما هذا». قالت عرقك أدوف (أخلط) به طيبى.رواه مسلم [7/ 82] برقم 6203
وفي لفظ: قالت هذا عرقك نجعله فى طيبنا وهو من أطيب الطيب. رواه مسلم [7/ 81] برقم 6201
فوائد
الأولى:
قال النووي رحمه الله تعالى: وفي هذه الأحاديث بيان طيب ريحه صلى الله عليه و سلم وهو مما أكرمه الله تعالى،
قال العلماء كانت هذه الريح الطيبة صفته صلى الله عليه و سلم وان لم يمس طيبا ومع هذا فكان يستعمل الطيب في كثير من الأوقات مبالغة في طيب ريحه لملاقاة الملائكة وأخذ الوحي الكريم ومجالسة المسلمين ... شرح النووي على مسلم [15/ 85]
قال القاضي عياض: وأما نظافة جسمه، وطيب ريحه وعرقه، ونزاهته عن الأقذار، وعورات الجسد فكان قد خصه الله تعالى في ذلك بخصائص لم توجد في غيره، ثم تممها بنظافة الشرع، وخصال الفطرة العشر. الشفا بتعريف حقوق المصطفى [153]، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين [ص 208]
الثانية:
ويُروا أن مبدأ هذه الرائحة الطيبة بجسده صلى الله عليه وسلم من ليلة الإسراء.
فقد روى ابن مردويه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسري به ريحه ريح عروس وأطيب من ريح عروس. قال السيوطي في الخصائص الكبرى [1/ 259]:وأخرج ابن مردويه من طريق أبي هاشم عن انس، والله أعلم بصحة ذلك فإنني لم أجده مع كثير بحث عنه.
الثالثة:
ما اشتهر على ألسنه بعض العوام أن الورد خلق عن عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر وأبو زكريا يحيى النووي والحافظ وغيرهم: إنه باطل لا أصل له.
والحديث رواه الديلمي في مسند الفردوس من طريق مكي بن بندار وقد اتهمه الدار قطني بوضع الحديث.
المقاصد الحسنة [ص 216]، التذكرة في الأحاديث المشتهرة [ص 197]، اللؤلؤ المرصوع للقاوقجي [ص 58]، الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة للكرمي [ص 91]، المصنوع في معرفة الحديث الموضوع [ص 70]
والعقل يكذبه لأن الورد كان موجوداً قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذن العقل يحيل هذا فكيف تقولون إن الورد خلق من عرق النبي صلى الله عليه وسلم.
¥