من الناحية التربوية كثيراً ما يكون التنظير والمثالية ذا سقف عاليٍ وذلك حسنٌ، لكن الواقع يصدم الإنسان بالمفاجآت وما لا يتوقعه، فمثل هذه الحوادث الأخيرة يمكن استغلالها تربوياً من خلال النزول بالتربية لأرض الواقع، والهبوط ببعض العلاجات التربوية من المثالية الذهنية إلى الواقعية الحقيقية، فمثلاً:
في مجال تأصيل شذوذات الآراء تربوياً لا بد أن يفصل الإنسان بين الرأي الشاذ الغريب جداً - الخالي عن الدليل أحياناً والمصادم له أحياناً أخرى - وبين سلوك الإنسان صاحب الرأي الشاذ، فقد يكون من خيار أهل العلم، وذا عبادة وتقى، فلا ترابط تربوياً بين الرأي الشاذ وبين السلوك.
والفائدة التربوية من ذلك أننا بهذا التأصيل لا ننصدم من أي رأي شاذ مهما كان قائله، كما أننا لا نأمن جانب أنفسنا في أن نشذ بشيء ولو كنا نعد أنفسنا من الأخيار كما قال الله {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي}.
الفائدة التربوية الخامسة: زيادة الخبرة الواقعية التربوية
إن العلم الشرعي يمكن تحصيله من خلال الوسائل المعروفة، بينما الخبرة التربوية قد لا يسهل تحصيلها إلا من خلال مرور الأعوام ورؤية المشاهد التربوية، ومعالجة النزوال والاستفادة من الأحداث، فالحوادث الأخيرة ينبغي الاستفادة منها في زيادة رصيد الخبرة التربوية عند المربين والمتربين.
فتفعيل جانب الاستشارة والمرجعية العلمية والتأني وعدم الاستعجال كلها جوانب يمكن قراءتها في الحوادث الأخيرة لأن كلا الأمرين (العلم الشرعي والخبرة التربوية) تحتاج إلى ممارسة ومعالجة وتجارب عملية.
الفائدة التربوية السادسة: سعة الاطلاع
في الكثير من المسائل العلمية يمر الإنسان عليها مروراً عاماً خاصة إن لم يكن لها حضور في مجتمعه، فمثلاً:
صلاة الجماعة، وحرمة الاختلاط.
لا يتوسع المتربي في دراسة الأدلة وسماعها لأن المجتمع لم يكن بحاجةٍ لمعرفة ما يزيد على ما يوافق المجتمع، بينما أثبتت الحوادث الأخيرة أن الإنسان بحاجة إلى الاطلاع على كل ما يقال في المسألة ولو من الآراء الشاذة وتفنيدها، وهذا يعود بالنفع العلمي للمتربي.
الفائدة التربوية السابعة: سلامة السمعة تبع لسلامة العرض
من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ العرض ويدخل تبعاً له حفظ ما يسمى بسمعة الإنسان من الخدش وتناول الناس لها، ولهذا نهت الشريعة المطهرة عن لبس الشهرة لأنه يعود على عرض الإنسان بالعيب، ونهت عن خوارم المروءة، وأمرت الإنسان أن يحكم بعرفه في كثير من الأمور، وقد صح عند مسلم من طريق النعمان رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: \" ومن اتى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه \" فقرن بين الاستبراء للدين والعرض.
ومما يبيح عرض الإنسان ألا يبالي بالناس فيفعل ما يذمونه به، ويكسر حاجز هيبة المخالفة في أمر قد لا يصل إلى المرتبة المستحقة لذلك شرعاً، والشذوذ بفعل أو لباس يعرف به بين الناس وغير ذلك.
وقد أثبتت الحوادث الأخيرة أن الإنسان عليه أن يبعد نفسه عن المواطن التي تسبب نيل عرضه من قبل الناس، ومن جعل نفسه في محل تهمة فهو ملوم، فليس الناس سواء من حيث العقل والفهم وحسن النية والتقى.
الفائدة التربوية الثامنة: التفريق بين العقل والعلم
يكثر الخلط بين العلم والعقل من حيث التلازم، فيظن البعض أن كل تصرف ناتج من شخص محسوب على العلم الشرعي أنه محسوب تبعاً على الشريعة الإسلامية، بينما هناك تصرفات شرعية يفعلها طالب العلم نتيجة لبحثٍ علمي للمسألة العلمية.
وهناك تصرفات يفعلها طالب العلم باعتباره شخصاً كغيره من الناس باعتبارات بشرية فيدخلها الذكاء وعدمه، واليقظة والغفلة، وغير ذلك مما يعم جميع الناس.
فمن الظلم الخلط بينهما، إلا أن قوة العقل تسترُ ضَعْف العلم، بينما َضْعف العقل يَفضحُ كثير العلم.
وهذا دور أهل التربية في تحويل قوة العقل النظرية إلى دروس عملية واقعية بحيث ينشط العقل ويعرف خبرات الحياة ومكائد الناس وطرق التعامل معهم وحبائلهم وطبائعهم، فيسخر ذلك لخدمة علمه الشرعي.
الفائدة التربوية التاسعة: النظر إلى مآلات الأحداث
¥