تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذا مقام آخر لا جدل حوله. القصد: أن بعض الشيوخ الفضلاء وطلبة العلم من السلفيين المعاصرين، لما رفضوا التمذهب بدءوا يصيرون في استدلالهم إلى الكتاب والسنة والإجماع، وبالطبع ضاق عليهم الاستدلال في مسائل الفقه؛ لأنه ليس كل مسألة فقهية عليها دليل صريح أو حتى ظاهر من الكتاب والسنة، فضلاً عن الإجماع، مما أدى إلى حاجتهم إلى قياس، أو أقوال الصحابة ... إلخ، ولهذا تغلب عليهم الطريقة التي يقدمها ابن حزم رحمه الله، وتقديمه إياها فرع عن مذهب سابق لداود بن علي، وهي مسألة البراءة الأصلية واستصحاب الأصل؛ ولذلك نجد أنهم يرجعون كثيراً من المسائل التي لا دليل عليها من الكتاب والسنة، والإجماع إلى البراءة الأصلية، فإن كانت عادات قيل: الأصل الحل، وإن كانت عبادات قيل: الأصل براءة الذمة. وهذه الطريقة التي يستعملها ابن حزم أقل ما يقال فيها: أنها مذهبية؛ لأنها إما أنها مذهبية من ابن حزم، وابن حزم ليس أشرف من الشافعي و مالك و أحمد، وإما أنها مذهبية من داود بن علي، وداود بن علي وإن عاصر الإمام أحمد إلا أنه ليس أجل من الأئمة الأربعة، بل جميع الأئمة الأربعة أجل فقهاً من داود بن علي رحمه الله. فلابد لطالب العلم -ولا سيما السلفي- أن يعتبر مثل هذه الإدراكات: أن عند ابن حزم أثراً ظاهرياً، وهو إنما نقل عن داود بن علي أصولاً عامة في الاستدلال، ثم قام بشرحها، وأحياناً قد يكون تجاوز في شرحها، فليس بالضرورة أن يكون شرحه قد صرح به داود بن علي. وهو -أي: ابن حزم - إمام، قد أجمع المتأخرون على إمامته، ولم يطعن فيه إلا متكلف ومتعصب من المذهبيين، وكتابه المحلى لا يستغني عنه طالب العلم أبداً، لكن على طالب العلم أن يترفق في قراءة كلام الإمام ابن حزم رحمه الله؛ لأنه يأخذ عقل القارئ -ولا سيما عقل المبتدئ- إلى لزومات يرى أنها من صريح السنن وهي ليست كذلك، ويمكن أن يقال: إن المبتدئ لا يبتدئ بكتب ابن حزم، وإنما يقصد إليها بعد تعديه لمرحلة الابتداء.

أعلى الصفحة

الشيخ محمد بن عبد الوهاب والمذهبية

إذاً: التمذهب الذي ليس على تعصبٍ وانتصار مطلق ليس غلطاً، بل هو أمر سائغ ليس بمشروع، ولا يجوز أن ينقسم السلفيون إلى قسمين: هؤلاء مذهبيون وهؤلاء ليسوا بمذهبيين، حتى قيل عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب: إنه سلفيٌ العقيدة ليس سلفي المنهج. وهذا القول غير صحيح؛ لأنه ما كان حنبلياً متعصباً. قد يقول قائل: إنا سبرنا أقواله فلم نجد له خروجاً عن المذهب الحنبلي أو عن روايات أحمد. فيقال: الكلام عن المذهب الحنبلي موضوع طويل، وقد قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "إني تأملت المسائل فلم يظهر مسألةٌ فيها رجحان من الكتاب والسنة إلا ولأحمد فيها رواية في الجملة". فقد يظهر للباحث أن الراجح أو ما يراه راجحاً، أنه خلاف المذهب الحنبلي، لكن عندما يعود إلى روايات الإمام أحمد أو ما ذكره الأصحاب من رواياته كصاحب الفروع أو الإنصاف، في الغالب -لا نقول: دائماً في الفروضات الجدلية- أن الإمام أحمد رحمه الله يكون له رواية. فالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لم يخرج عن روايات أحمد، إلا أنه قال كلمة تبين أنه ليس متعصباً، وإنما متمذهب على التراتيب العلمية فقط. من المعلوم أن أجل كتابين عند الحنابلة المتأخرين في ضبط المذهب الحنبلي هما الإقناع والمنتهى، فما اتفق عليه صاحب الإقناع والمنتهى يقول المتأخرون عنه مباشرة: هذا مذهب الإمام أحمد، ولهذا تفاصيل ليست مهمة عندنا الآن. لكن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يقول: "أكثر ما في الإقناع والمنتهى مخالف لمذهب أحمد ونصه" .. فهل هذا القول يصدر عن متعصب؟ فالقصد: أن طلبة العلم من السلفيين لا ينبغي أن يختلفوا على مثل هذه المسائل، وأن يكون فيها خفضٌ ورفعٌ ليس على هديٍ سالف، بل لابد من ضبط الأمور، وكل من خرج عن هدي صاحب الرسالة البين، قيل: خرج عن السنة والجماعة. هذه المقدمة بتوابعها كان لابد منها، وينبغي أن يجري فيها نقاشٌ معتدل ومتحرر ومنصف ومنضبط.

أعلى الصفحة

عدم الإنكار على المتمذهبين وغير المتمذهبين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير