أقول: يبين هذا أن سماع المعدوم يقتضي أن يكون موجوداً معدوماً في آن واحد وهو محال، فإن كونه معدوماً يقتضي أنه ليس في الخارج، وسمعه في الخارج يقتضي أنه في الخارج، فيقتضي الجمع بين النقيضين وهو باطل ممتنع لا حقيقة له أصلاً فلا يدخل في مسمى الشيء حتى يقال أنه على كل شيء قدير فهذا الممتنع ليس بشيء أصلاً (بيان تلبيس الجهمية 4/ 326 بتصرف يسير) هذا إن قصد سماعه خارجاً عنه أما إن قصد سماعه في ذاته فهذا يقتضي وجود صوت المخلوق في ذات الله أزلاً وهو كفر، وإن قصد علم الله بالصوت قبل وقوعه فهذا علم فمن أين لك ياسالمي من الكتاب والسنة تسمية هذا سمعاً!؟
وقد نقل الأخ إحسان قول شيخ الإسلام:
فقبل أن يوجد: لم يكن يُرى، وبعد أن يُعدم: لا يرى، وإنما يُرى حال وجوده.
وهذا هو الكمال في الرؤية.
وكذلك سمع أصوات العباد، هو عند وجودها، لا بعد فنائها، ولا قبل حدوثها.
قال تعالى {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} وقال {ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون}.
مجموع الفتاوى - (ج 16 / ص 313)
وقال القاضي أبو يعلى في مختصر المعتمد ص127 - تحقيق د. وديع زيدان-: ((باب فيه مسائل تتعلق بالسالمية)) وقد أورد عدة فصول لما خالف فيه هؤلاء السنة قال في أول فصوله:
((والباريء فيما لم يزل لم يكن رائياً للعالم وجوداً له عدماً في ذاته، بل كان رائياً لذاته وسائر صفاته الذاتية فقط، خلافاً لابن سالم البصري .. والدلالة على فساد قولهم قوله تعالى في قصة زكريا: ((وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً)). وقال تعالى: ((وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ)).
فأخبر أنه يرى أعمالهم بعد فعلها .. )) إلخ
هذا مع أن القاضي وبعض أصحابه يوافقون السالمية في بعض أقوالهم لكنهم خالفوهم في هذه كما في المرجع السابق.
أما الأشعرية فجمهورهم على أن الله لم يسمع الصوت قبل وقوعه ويلزمهم لزوماً صريحاً لا فكاك لهم منه القول بمسألة حلول الحوادث وقد تورط فيها الرازي واضطرب وقد نقل كلاما خطيراً له وعلق عليه شيخ الإسلام في التسعينية ج3/ 776 - 779 قال:
((فما ذكره-أي الجويني في مسألة حلول الحوادث- ... يلزم مثله في تجدد حكم السمع والبصر فإنه إنما يتعلق بالموجود دون المعدوم، وإما أن يكون الرب بعد أن خلق الموجودات كحاله حاله قبل وجودها في السمع والبصر أو لا يكون، فإن كان حاله قبل كحاله بعد، وهو قبل لم يكن يسمع شيئاً ويراه فكذلك بعد، لاستواء الحالين، فإن قيل: إن حاله بعد ذلك خلاف حاله قبل، فهذا قول بتجدد الأحوال والحوادث ولا حيلة في ذلك ولا يمكن أن يقال في ذلك ما قيل في العلم فإن العلم يتعلق بالمعدوم، فأمكن المفرق أن يقول: حاله قبل وبعد سواء.
وقد ذكر هذا الإلزام أبو عبد الله الرازي والتزم قول الكرامية بعد أن أجاب بجواب ليس بذاك، فإن المخالف احتج عليه بأن السمع والبصر يمتنع أن يكون قديماً لأن الإدراك لابد له من متعلق، وهو لا يتعلق بالمعدوم، فيمتنع ثبوت السمع والبصر للعالم قبل وجوده ... وقال في الجواب-[أي الرازي وهو في نهاية العقول مخطوط 153 - 154 بواسطة المحقق]-: "لم لا يجوز أن يكون سميعاً بصيراً بسمع قديم وبصر قديم ويكون ذلك السمع والبصر يقتضيان التعلق بالمرئي والمسموع بشرط حضورهما ووجودهما؟
وهذا هو المعني بقول أصحابنا في السمع والبصر: "إنه صفة متهيئة لدرك ما عرض عليه" فإن قال قائل: فحينئذ يلزم تجدد التعلقات؟
قلنا: وأي بأس بذلك إذا لم يثبت أن التعلقات أمور وجودية في الأعيان، فهذا تقرير المذهب ثم لئن سلمنا فساد هذا القسم فلم لا يجوز أن يكون محدثاً في ذاته على ما هو مذهب الكرامية؟
قوله-أي المخالف-: يلزم أن يكون محلاً للحوادث.
قلنا: إن عنيتم حدوث هذه الصفات في ذاته تعالى بعد أن لم تكن حادثة فيها فهذا هو المذهب، فلما قلتم إنه محال؟ وإن عنيتم شيئاً آخر فبينوه لنتكلم عليه وهذا الجواب عن قوله "يلزم وجود التغيير في ذات الله".
¥