قلت-أي ابن تيميه-: وقد اعترف في هذا الموضع بضعف الجواب الأول، وذلك قول القائل: صفة متهيئة لـ "درك" ما عرض عليه، وضده-[أي هذا الدرك] نفي السمع والبصر [و] الإدراك، فما الفرق بين الصفة وبين هذا المدرك؟ .. إلخ ما قال فليراجع فهو مهم.
وقد ذكر الزبيدي مناظرة بين بعض المتكلمين في هذه المسألة انتهت لصالح من يقول باستحالة رؤية المعدوم قال الزبيدي في أولها:
((فصل قال النسفي المعدوم ليس بمرئي كما أنه ليس بشيء وهاتان مسألتان أما الأولى: فقد جرت المناظرة فيها بين الإمام الزاهد نور الدين الصابوني والشيخ رشيد الدين فقال الإمام: الطريق فيه النقل والعقل أما النقل فقد أفتى أئمة سمرقند وبخارى على أنه-أي المعدوم-غير مرئي وقد ذكر الإمام الزاهد الصفار في آخر كتاب التلخيص على أن المعدوم مستحيل الرؤية وكذا المفسرون ذكروا في التفاسير أن المعدوم لا يصلح أن يكون مرئياً لله تعالى وكذا قول السلف من الأشعرية والماتريدية أن الوجود علة جواز الرؤية ناطق بهذا .. وأما العقل .. )) إلخ ولينظر لبقيتها من يحب في إتحاف السادة المتقين 2/ 124
ولما قيل لهم إثبات السمع والبصر أزلاً ولا مسموع ولا مبصر آنذاك خروج المعقول أجابوا: ((انتفاء التعلق في الأزل لا يستلزم انتفاء الصفة كما في سمعنا وبصرنا فإن خلوهما عن الإدراك بالفعل في وقت لا يوجب انتفائهما أصلاً)) شرح المواقف ج8/ 102 - 103
وقد تبين بهذا ما قاله أئمة أهل السنة وموقف بعض الفرق من بدعة السالمية أما ما احتج به هداه الله فنعرج عليه سريعاً
قال: ((و استشهدت بآية الاستنطاق على أن الله سمع حقيقة من خلقه قبل وجودهم بالولاده! فان قدر على هذه فهو على غيرها قادر و إن جازت في حقه هذه فغيرها في حقه جائز. و القادر على أن يسمع ما كان و ما لم يكن " ومن يخالف في هذا فقد قدح في قدرة الله " - فليس في هذا محذور شرعي و إن وجد فأوقفوني عليه؟ وليس في هذا ما لا تقبله أحوال لغة العرب فإن وجد فأوقفوني عليه؟
قال الشمالي: ((واذا ثبت لنا قدرته تعالى على سماع القول منا قبل خلقنا بالولادة في آية الاستنطاق فلا يمتنع سماعه لما سوى ذلك وقع حسا أم لم يقع)) وقال: ((ثم تقول لا تدري هي عقيدة من؟
هي عقيدة الذين يؤمنون بأن الله قال لعباده قبل خلقهم! " ألست بربكم؟ "
فردوا عليه:" بلى شهدنا! ".))
أقول: سقت التفسير وكأنه مسلم به مع أن الخلاف معروف في تفسير الآية والقول الذي عليه جمهور الصحابة والتابعين وجمهور المفسرين هو أنه سبحانه مسح حقيقة على ظهر آدم فأخرج منه ذريته كأمثال الذر ثم كلمهم وقال ألست بربكم فقالوا ((بلى شهدنا)) حقيقة لا مجاز والآثار كثيرة جداً وقد روى أحمد في مسنده برقم 2455 وابن أبي عاصم في السنة برقم 202 والنسائي في السنن الكبرى 6/ 347 وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان -يعني عرفة- فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال {ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون} ينظر السلسلة الصحيحة 4/ 158 - 163 في الكلام على هذا الأثر.
وقال أبي بن كعب رضي الله عنه في قول الله عز وجل
{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} الآية قال: جمعهم فجعلهم أرواحا ثم صورهم فاستنطقهم "فتكلموا" ثم أخذ عليهم العهد والميثاق وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قال فإني أشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع وأشهد عليكم أباكم آدم عليه السلام أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري فلا تشركوا بي شيئا وإني سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتبي قالوا شهدنا بأنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك فأقروا بذلك ورفع عليهم آدم ينظر إليهم فرأى الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك فقال رب لولا سويت بين عبادك قال إني أحببت أن أشكر ورأى الأنبياء فيهم مثل السرج عليهم النور إلخ، قال ابن حجرفي الإصابة4/ 461: إسناده قوي وقال الحافظ المقدسي في المختارة 3/ 364والألباني في تخريج المشكاة1/ 44: إسناده حسن.
¥