تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالرسول بشر يُوحَى إليه .. له خصوصية الاتصال بالسماء، ولذلك فإن هذه المهمة تقتضى صفات يصنعها الله على عينه فيمن يصطفيه، كى تكون هناك مناسبة بين هذه الصفات وبين هذه المكانة والمهام الخاصة الموكولة إلى صاحبها، وبداهة العقل - فضلاً عن النقل - تحكم بأن مُرْسِل الرسالة إذا لم يتخير الرسول الذى يضفى الصدق على رسالته، كان عابثًا .. وهو ما يستحيل على الله، الذى يصطفى من الناس رسلاً تؤهلهم العصمة لإضفاء الثقة والصدق على البلاغ الإلهى .. والحُجة على الناس بصدق هذا الذى يبلغون

و قد اختار رسله من البشر لأن البشر هم الذين يصلحون قدوة و اسوة , يقول سيد قطب رحمه الله: [و إنها لحكمة تبدو فى رسالة واحد من البشر إلى البشر يحس بإحساسهم و يتذوق مواجدهم و يعانى تجاربهم و يدرك ألامهم و أمالهم و يعرف نوازعهم و أشواقهم و يعلم ضروراتهم و أثقالهم, و من ثم يعطف على ضعفهم و نقصهم و يرجو قوتهم و استعلائهم و يسير بهم خطوة خطوة, و هو يفهم و يقدر بواعثهم و تأثراتهم و استجاباتهم, لأنه فى النهاية واحد منهم, يرتاد بهم الطريق إلى الله بوحى من الله و عون منه على وعثاء الطريق.

و هم من جانبهم يجدون فيه القدرة الممكنة, لأنه بشر مثلهم, يتسامى بهم رويداً رويداً يعيش فيهم بالأخلاق و الأعمال و التكاليف التى يبلغهم أن الله قد فرضها عليهم و أرادها منهم فيكون بشخصه ترجمة حية للعقيدة التى يحملها إليهم و تكون حياته و حركاته و أعماله صفحة معروضة لهم, ينقلونها سطراً سطراً , و يحققونها معنى معنى و هم يرونها بينهم فتهفوا نفوسهم إلى تقليدها لأنها ممثلة فى الإنسان]

يقول الإمام محمد عبده عن عصمة الرسل: [ .. ومن لوازم ذلك بالضرورة: وجوب الاعتقاد بعلو فطرتهم، وصحة عقولهم، وصدقهم فى أقوالهم، وأمانتهم فى تبليغ ما عهد إليهم أن يبلغوه، وعصمتهم من كل ما يشوه السيرة البشرية، وسلامة أبدانهم مما تنبو عنه الأبصار وتنفر منه الأذواق السليمة، وأنهم منزهون عما يضاد شيئًا من هذه الصفات ...... إن من حكمة الصانع الحكيم - الذى أقام الإنسان على قاعدة الإرشاد والتعليم - أن يجعل من مراتب الأنفس البشرية مرتبة يُعدُّ لها، بمحض فضله، بعض مَنْ يصطفيه من خلقه، وهو أعلم حيث يجعل رسالته، يميزهم بالفطرة السليمة، ويبلغ بأرواحهم من الكمال ما يليقون معه للاستشراق بأنوار علمه، والأمانة على مكنون سره، مما لو انكشف لغيرهم انكشافه لهم لفاضت له نفسه، أو ذهبت بعقله جلالته وعظمته، فيشرفون على الغيب بإذنه، ويعلمون ما سيكون من شأن الناس فيه، ويكونون فى مراتبهم العلوية على نسبة من العالمين، نهاية الشاهد وبداية الغائب، فهم فى الدنيا كأنهم ليسو من أهلها، هم وفد الآخرة فى لباس من ليس من سكانها .. أما فيما عدا ذلك فهم بشر يعتريهم ما يعترى سائر أفراده، يأكلون ويشربون وينامون ويسهون وينسون فيما لا علاقة له بتبليغ الأحكام، ويمرضون وتمتد إليهم أيدى الظلمة، وينالهم الاضطهاد، وقد يقتلو]

من جهة النقل

(1) جاءت نصوص الكتاب و السنة قاطعة بعصمة انبياء الله تعالى:

قال عز و جل "أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ "

و قال " إِ نَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ".

و قال تعالى " لكم فى رسول الله أسوة حسنة "

و قال سبحانه " وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ "

فحمكة إرسال الرسول هى الإقتداء بهم و الإهتداء بهديهم و جعلهم بحكم بشريتهم حجة على من زاغ عن أمرهم و سلك غير مسلكهم،فلو أن أنبياء الله تعالى يرتكبون الرذائل لما صلحوا لأن يكونوا قدوة و أسوة للبشرية

(2) قال تعالى فى خبر يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير