تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال شيخ الاسلام ابن تيمية: [القول بأن الأنبياء معصومون من الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر أهل العلم , و جميع الطوائف, حتى أنه قول أكثر أهل الكلام, كما ذكر أبو الحسن الأمدى أن هذا قول أكثر الأشعرية , و هو أيضاً قول أهل التفسير و الفقهاء , بل لم ينقل عن السلف و الأئمة و الصحابة و التابعين و تابعيهم إلا ما يوافق هذا القول ... أهـ]

أما الأراء الأخرى التى لا تقول بعصمة الأنبياء أو التى تثبت العصمة عن كل هفوة فهى أقوال شاذة غير صحيحة فلا حجة بها.

_و ننوه هنا إلى أن بعض الباحثين استعظم أن ينسب للأنبياء صغائر الذنوب و يحاول بعضهم تأويل النصوص التى تدل على ذلك و هو تأويل فاسد مردود و كان سبب انكارهم أمرين:

(1) لأن ذلك يتنافى مع الكمال حتى لو تابوا من الذنب

و هذا غير صحيح فالكمال هو كمال بشرى كما أن التوبة تغفر الحوبة و لا تنافى الكمال و التائب من الذنب كمن لا ذنب له بل إن حال العبد بعد توبته قد يكون أفضل من حاله قبل التوبة و لذلك لما يكون فى قلبه من الندم و الخشوع و الخشية من الله تعالى و لما يجهد به نفسه من الاستغفار و الدعاء و لما يقوم به من صالح الأعمال يرجوا بذلك أن تمحو الحسنات السيئات

(2) لأن ذلك يتنافى مع الأمر بالتأسى بهم فكيف نتأسى بهم و هم يرتكبون الذنوب؟

و قولهم هذا قد يكون صحيحاً لو كانت معصية الأنبياء من الكبائرالخبيثة أو صدرت عن عمد و استكبار أو لم يتوبوا منها و هذا كله لم يقع.

بل كانت ذنوبهم من الصغائر التى لا تصدر عن عمد ولا تعدو أن تكون إما هفوةً و إما غفلةً و إما ترك للمستحب كما يقول البعض (حسنات الأبار سيئات المقربين) زد على هذا أن الله كان يوفقهم للتوبة منها سريعاً بلا تأخير, و بذلك نرى أن ما اوردوه لا يصلح أن يكون دليلاً بل يكون التأسى بهم فى هذا منصباً على الاسراع فى التوبة عند وقوع المعصية و عدم التسويف فى هذا, و بهذا يكون الأنبياء نعم القدوة و المثل فهم لا تصدر منهم الفاحشة فنتأسى بهم بذلك و نعظم حرمات الله و لا نسلك سبيل الهوى و الضلال أبداً اما الصغائر من الذنوب فذلك مما لا سبيل لنا إلى منع وقوعه و إن كنا لا نسعى إليه و هنا نجد الأسوة فى أنبياء الله أيضاً الذين كانوا إذا صدرت منهم زلة أسرعوا إلى التوبة و الاستغفار و لم ييئسوا من رحمة الله و لم يصروا عليها أبداً

.

*******************

و من أمثلة الأمور التى لا تنافى العصمة:

الأعراض البشرية الجبلّية لا تنافى العصمة, فإبراهيم عليه السلام أوجس فى نفسه خيفة عندما رأى أيدى ضيوفه لا توتد إلى الطعام الذر قدمه و لم يكن يعلم أنهم ملائكة تشكلوا فى صورة بشر (هود)

-ـ و موسى وعد الخضر بأن يصبر فى صحبته فلا يسأله عن شىء يفعله العبد الصالح حتى يُحدث له منه ذكراً و لكنه لم يتمالك نفسه إذ رأى تصرفات غريبة فكان فى كل مرة يسأل أو يعترض أو يوجه و فى كل مرة يذكره العبد الصالح و يقول له ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبرا و عندما كشف عن سر أفعاله قال ذلك تأويل ما لم تستطيع عليه صبرا

- و غضب موسى و أخذ برأس أخيه يجره إليه و ألقى الألواح عندما عاد إلى قومه بعد أن تم ميعاد ربه فوجدهم يعبدون العجل،ثم لما تأكد أن هارون عليه السلام لم يقصر فى ردعهم هدأ و دعى ربه قائلا قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

- و من ذلك ما وقع من نبى من الأنبياء حين لدغته نملة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم {نزل نبى من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار فأوحى إليه الله تعالى: فهلا نملة واحدة}

_و من ذلك النسيان الطارىء العارض الذى يحدث لكل الناس بحكم بشريتهم فعن أبى هريرة قال: {صلى رسول الله (صلى الله عليه و سلم) إحدى صلاتى العشى فصلى ركعتين ثم سلم, فقام إلى خشبة معروضة فى المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان و وضع يده اليمنى على اليسرى و شبك بين أصابعه و وضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى و خرجت السرعان من باب المسجد فقالو: قصرت الصلاة , و فى القوم أبو بكر و عمر فهابا أن يكلماه و فى القوم رجل يقال له ذو اليدين فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: لم أنس و لم تقصر ثم قال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا نعم. فتقدم و صلى ما ترك ثم سلم ثم كبر و سجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه و كبر, فربما سألوه, ثم سلم .... } متفق عليه

و عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم): {و لكنى إنما أنا بشر, أنسى كما تنسون , فإذا نسيت فذكرونى} قال هذا بعد نسيانه فى إحدى صلواته و هذا لا حرج فيه فالنسيان من سمات البشر و قد قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم) {رُفع عن امتى الخطأ و النسيان و اُستكرهوا عليه}

,.

و أن الأنبياء بشر ينسون و ينامون و يغضبون و يضحكون و يتزوجون ... و قالوا كال هذا الرسول يأكل الطعام و يمشى فى الأسواق .. و قال تعالى وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً

***************************************

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير