هذا معلوم بالإضطرار من دين الإسلام .. وبهذا يظهر الفرق بينه وبين العاصي فإنه يعتقد وجوب ذلك الفعل عليه ويجب أن لا يفعله، لكن الشهوة والنفرة منعته من الموافقة، فقد أتى من الإيمان بالتصديق والخضوع والانقياد، وذلك قول وعمل لكن لم يكمل العمل) (الصارم المسلول3/ 971،972).
بل إن هذه المسألة مقررة وثابتة بالإجماع كما حكاه إسحاق بن راهويه رحمه الله حيث يقول: (قد أجمع العلماء أن من سب الله عز وجل، أو سب رسوله، أو دفع شيئاً أنزله الله، أو قتل نبياً من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر) (التمهيد 4/ 226).
4 - خلط العنبري بين التكفير المطلق وتكفير المعين -كما في (ص/105 - 122) -، فلم يفرق بينهما، مع أن أهل السنة يفرقون بين تكفير المطلق وتكفير المعين، ففي الأول يطلق القول بتكفير صاحبه -الذي تلبس بالكفر- فيقال: من قال كذا، أو فعل كذا فهو كافر، ولكن الشخص المعين الذي قاله أو فعله لا يحكم بكفره مطلقاً حتى تجتمع فيه الشروط وتنتفي عنه الموانع، وإزاء هذا الخلط العجيب من العنبري وقع في تأويل متكلف حيث زعم أن قوله تعالى: ((فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)) (النساء: 65).
أن المراد به بقوله سبحانه (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ) أي لا يستكملون الإيمان!! وهذه عاقبة خلطه بين التكفير المطلق وتكفير المعين، فإن الآية نفت الإيمان حتى يحكّم الرسول صلى الله عليه وسلم كما وضح ذلك ابن تيمية في الصارم (2/ 80، 3/ 984)، ومجموع الفتاوى (28/ 471)، وابن كثير في تفسيره (3/ 211)، وابن القيم في التبيان في أقسام القرآن (270)، وفتح القدير للشوكاني (1/ 484).
وليس هذا كلام سيد قطب وحده كما ادعاه العنبري! وأما الأنصاري الذي اعترض على حكم النبي صلى الله عليه وسلم فهذا شخص معين لم يحكم عليه بالردة إما لتخلف شرط أو وجود مانع والله أعلم (انظر الصارم المسلول 3/ 986).
وخطأ آخر وقع فيه العنبري بسبب عدم تفريقه بين تكفير المطلق وتكفير المعين، عندما استعظم العنبري أمراً عادياً وتعجب من غير عجب، حيث أورد العنبري ما نقله الأستاذ محمد شاكر الشريف في كتابه (إن الله هو الحكم) من كلام شيخ الإسلام في المنهاج (5/ 130)، حيث حذف الشريف عبارة (وإلا كانوا جهالاً) وكأن العنبري قد عثر على صيد ثمين! مع أن الخطب في ذلك يسير، فإن ما حذفه الشريف لا يخل بكلام شيخ الإسلام، إنما هو إشارة إلى أن الجهل عارض من عوارض الأهلية يجب اعتباره والأخذ به، وقد سبق الشريف علماء أجلاء لم يذكروا هذه العبارة كالشيخ حمد بن عتيق في رسالة النجاة والفكاك (ضمن مجموعة التوحيد 413) والشيخ سليمان بن سحمان في الدرر السنية (10/ 504).
فلم هذا التهويل دون مبرر علمي؟ والمصيبة أن هذه الزيادة تنقض دعواه، وتعكر مشتهاه، حيث قال شيخ الإسلام: (فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن، وأما من كان ملتزماً لحكم الله ورسوله باطناً وظاهراً، لكن عصى واتبع هواه فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة) (المنهاج 5/ 131)
5 - وقع العنبري في الكثير مما اتهم به الآخرون وتلبس بجملة مآخذ ألصقها بمخالفيه، فكان ممن يقولون ما لا يفعلون، ويأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم .. ومن ذلك ما يلي:
أ- قال العنبري: (لا يجوز لأحد كائناً من كان أن يقيد ما أطلق الشرع الشريف إلا بدليل وبينة من كتاب أو سنة) (ص/125)، ولا شك أن العنبري يندرج ضمن هذه الكائنات، ويدخل دخولاً أولياً كما في إطلاقه لهذا الكلام السالف فما باله قيد -وبلا دليل- ما أطلقه الشارع في الكفر العملي وكفر الإعراض -كما سبق إيراده-؟.
ب- اتهم العنبري مخالفيه بالحذف لكلام أهل العلم، وبتر النصوص .. مع أنه حذف كلام ابن القيم في مسألة الكفر العملي -كما مر بنا- وحذف بعض كلام شيخ الإسلام في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله -كما سبق ذكره آنفاً- بل حذف كلاماً مهماً لإسماعيل الأسعردي في مسألة التحاكم إلى غير شرع الله تعالى (قارن ما نقله في ص/70 بما جاء في رسالة الأسعردي ضمن الرسائل المنيرية 1/ 173).
¥