ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[03 - 08 - 07, 12:04 ص]ـ
أخي الكريم
أنا كنتُ عقدتُ العزم ألا أكمل النقاش في الموضوع، ولكن رأيتك ذكرتني في المشاركة الأخيرة فرأيت الأصلح غير ذلك، وأرجو أن تنظر في كلامي السابق والآتي بمزيد تأمل.
أخي الفاضل، أسأل الله لي ولك التوفيق والسداد
= إذا افترضنا أن الإجماع لم يتحقق، فهل يلزم من ذلك صحة كلامك؟
= وإذا افترضنا أننا أتيناك بآثار عن بعض الصحابة والتابعين، فهل يلزم من ذلك ثبوت الإجماع؟
وأنا قد ذكرتُ لك في كلامي سابقا عددا من الأمور الملزمة التي لا محيد عنها، ولكنك تركت الجواب عنها وركزت كلامك على مسألة الإجماع، ولا يخفى عليك يا أخي الكريم أن مباحث الإجماع قد وقع فيها خلط كبير عند الأصوليين، بل عند كثير من أهل العلم.
أخي الكريم
نحن بين أمرين لا ثالث لهما (وقد قلت لك هذا سابقا فلم تجب عنه)
إما أن هذه المسألة اختلف فيها السلف وإما أنها مما لم يختلف فيه السلف، وهذا تقسيم عقلي حاصر لا محيد عنه.
فإن كان السلف اختلفوا فيها فإنه يمتنع في العادات أن تمر القرون الطويلة ولا ينقل لنا شيء من هذا الخلاف مطلقا، وحتى لو افترضنا أن هذا الخلاف قد وقع، فإنه يمتنع في العادات أن ينقل القول الباطل ولا ينقل القول الصحيح.
فإن القول بقولك لم ينقل عن أحد مطلقا لا من الصحابة ولا من التابعين ولا ممن بعدهم، بخلاف قولنا.
وإن كانوا اتفقوا فإما أن يكونوا اتفقوا على قولك وإما أن يكونوا اتفقوا على قولنا.
فإن كانوا اتفقوا على قولك فيلزم من ذلك أن يكون كل من تكلم في هذه المسألة مثل ابن قتيبة ومحمد بن نصر المروزي وعثمان بن سعيد الدارمي وأبو بكر بن خزيمة وأبو الحسن الأشعري ومن تبعهم ممن جاء بعدهم كابن تيمية وابن القيم خالفوا هذا الإجماع، بل يلزم على قولك أنهم لم يعلموا بهذا الإجماع أصلا؛ لأنهم لو علموه لحكوه.
فما بقي من القسمة العقلية الحاصرة إلا أن يكونوا قد اتفقوا على قولنا نحن، وهذا برهان واضح لا لبس فيه؛ لأنه مبني على مقدمات عقلية برهانية.
ولكن يَرِدُ على هذا الكلام ما تفضلتَ أنت بإيراده سابقا، وهو أنه إن كان قد وقع إجماعهم فكيف لم ينقل لنا ولو أثر واحد عن الصحابة والتابعين فيه تصريح بهذا الأمر؟!!
والجواب من وجهين: مجمل ومفصل:
فأما الجواب المجمل، فهو أن أن مثل هذا الإيراد مجرد استشكال ظني، لا يفيد الطعن في الأدلة العقلية البرهانية، فغايته أن يكون إشكالا يحتاج إلى جواب مع القطع بأنه باطل، ولا يلزم من عدم معرفتي الجواب بطلان حجتي؛ لأن دليلي أظهر في العقل وأبين من هذه الشبهة.
وأما الجواب المفصل، فهو أنهم لم يحتاجوا إلى ذكر ذلك أصلا، كما لم يُحتج إلى ذكره القرآن، فالقرآن لم يصرح بالتثنية في العينين، ولم يكن هذا دليلا على نفي العينين، فلو كان ترك تصريح الصحابة والتابعين حجة على كلامك، لكان ترك تصريح القرآن بذلك حجة أبلغ منها، وأنت لم تحتج بها لأنها باطلة، فإذا كانت باطلة بطل ما هو دونها بقياس جلي.
وعند استقراء صنيع أهل العلم في حكاية الإجماع تجدهم أحيانا يكتفون بنقله عن إيراد الآثار المؤيدة له لعدم وجود الخلاف أصلا، ولذلك تجدهم يكثرون من إيراد الآثار الدالة على المسائل التي وقع فيها الخلاف، ولا يكثرون من إيراد الآثار الدالة على المسائل التي لم يقع فيها خلاف، وأظنك لو تتبعت الكتب التي تُعنى بآثار السلف لوجدت هذا جليا واضحا.
وقد أحلتُك على رابط ذكرتُ فيه كثيرا من الشواهد أن العرب تطلق الجمع وتريد به التثنية، ونقلت فيه عن أهل العلم أن هذا هو الأكثر في كلام العرب في أشباه المثال الذي معنا، فهم يطلقون الجمع ويريدون التثنية أصلا، فلم يحتاجوا إلى التصريح؛ لأنها مفهومة من الكلام، وإنما احتاج إليها من جاء من بعدهم من أهل القرن الثالث وما بعده لأنهم أعاجم على اللغة لا يفهمون من الجمع إلى قسيم التثنية.
وكذلك لم يحتاجوا إلى التصريح بذلك لأنه ليس له داعٍ؛ فإن أسماء الله الحسنى وصفاته العليا التي يدعوه الناس بها كثيرة وهي متفاضلة كما عليه أهل السنة، وقد جرى الناس قديما وحديثا على الدعاء بأحسنها وأليقها بالمقام، كالدعاء بالجبار إذا كان في مقام الاستنصار، وبالغفار إذا كان في مقام الاستغفار، وبالرزاق إذا كان في مقام الاستمطار، ونحو ذلك.
¥