وقريبا من ذلك قال قبله صوفي فارسي آخر , وهو عبد العزيز بن محمد النسفي: إن التصوف مأخوذ من الصفوة.
ولقد ذكر في أصل التصوف واشتقاقه أقوال أخرى , منها ما ذكرها الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي , والإمام ابن تيمية , عند ذكرهما التصوف والصوفية , واللفظ الأول:
(قد ذهب قوم إلى أن التصوف منسوب إلى أهل الصفة. وإنما ذهبوا إلى هذا لأنهم رأوا أهل الصفة على ما ذكرنا من صفة صوفة في الإنقطاع إلى الله عز وجل وملازمة الفقر فإن أهل الصفة كانوا فقراء يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومالهم أهل ولا مال فبنيت لهم صفة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل أهل الصفة. والحديث بإسناد عن الحسن. قال بنيت صفة لضعفاء المسلمين فجعل المسلمون يوصلون إليها ما استطاعوا من خير. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم فيقول: السلام عليكم يا أهل الصفة. فيقولون: وعليك السلام يا رسول الله. فيقول كيف أصبحتم. فيقولون بخير يا رسول الله. وبإسناد عن نعيم بن المجمر عن أبيه عن أبي ذر قال كنت من أهل الصفة وكنا إذا أمسينا حضرنا باب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فيأمر كل رجل فينصرف برجل فيبقى من بقى من أهل الصفة عشرة أو أقل فيؤثرنا النبي صلى الله عليه وسلم بعشائه فنتعشى فإذا فرغنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ناموا في المسجد.
قال المصنف: وهؤلاء القوم إنما قعدوا في المسجد ضرورة. وإنما أكلوا الصدقة ضرورة. فلما فتح الله على المسلمين استغنوا عن تلك الحال وخرجوا , ونسبة الصوفي إلى أهل الصفة غلط لأنه لو كان كذلك لقيل صفي , وقد ذهب إلى أنه من الصوفانة وهي بقلة رعناء قصيرة. فنسبوا إليها لاجتزائهم بنبات الصحراء وهذه أيضا غلط لأنه لو نسبوا أليها لقيل صوفاني. وقال آخرون هو منسوب إلى صوفة القفا. وهي الشهرات النابتة في مؤخرة كأن الصوفي عطف به إلى الحق وصرفه عن الخلق).
وقيل: أن أصل التصوف منسوب إلى صوفة , فيقول ابن الجوزي:
قال أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ: قال: سألت وليد بن القاسم: إلى أي شيء ينسب الصوفي.
فقال: كان قوم في الجاهلية يقال لهم صوفة , انقطعوا إلى الله عز وجل , وقنطوا الكعبة , فمن تشبه بهم فهم الصوفية , قال عبد الغني: فهؤلاء المعروفون بصوفة ولد الغوث بن مر بن أخي تميم بن مر).
وبمثل ذلك ذكره أهل اللغة والمعاجم.
وهناك البعض الآخرون من المتقدمين والحديثين أدلوا بدلوهم , وأبدوا رأيهم في هذا , فمن المتقدمين البيروني أبو الريحان المتوفى سنة 440 هـ , الذي نسب التصوف إلى سوفيا اليونانية , معناها الحكمة , فلقد لخص كلامه صادق نشأت نقلا عن كتابه (ذكر ما للهند من مقولة مقبولة أو مرذولة) , وهذا نصه:
(إن قدماء اليونان أي الحكماء السبعة مثل سولن الأثيني وطاليس المالطي كانوا يعتقدون قبل تهذيب الفلسفة بعقيدة الهنود , بأن الأشياء إنما هي شيء واحد وكانوا يقولون ليس للأنسان فضل على الجماد والنبات إلا بسبب القرب إلى العلة الأولية في الرتبة , وكان بعضهم يعتقد أن الوجود الحقيقي هو العلة الأولى نفسها لأنها غنية بذاتها وما سواها محتاج في الوجود إلى الغير فوجودها في حكم الخيال والحق هو الواحد الأول فقط , ويقول في أعقاب هذا التفصيل. وهذا رأي السوفية وهم الحكماء , فإن (سوف) باليونانية (الحكمة) وبها سمي الفيلسوف (بيلا سوبا) أي محب الحكمة , ولما ذهب في الإسلام قوم إلى قريب من رأيهم سموا باسمهم , ولم يعرف بعضهم اللقب فنسبهم للتوكل إلى الصفة وأنهم أصحابها في عصر النبي صلى الله عليه وسلم , ثم صحف بعد ذلك فصير في صوف التيوس وعدل أبو الفتح البستي عن ذلك أحسن عدول في قوله:
تنازع الناس في الصوفي واختلوا قدما وظنوه مشتقا من الصوفي
ولست أنحل هذا الاسم غير فتى صافي فصوفي حتى لقب الصوفي
¥