تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك ذهبوا إلى أن الموجود شيء واحد وأن العلة الأولى تتراءى فيه بصور مختلفة وتحل قوتها في أبعاضه بأحوال متباينة توجب التغاير مع الاتحاد , فكان فيهم من يقول أن المنصرف بكليته إلى العلة الأولى متشبها بها على غاية إمكانه يتحد بها عند ترك الوسائل وخلع العلائق والعوائق وهذه أراء يذهب إليها الصوفية لتشابه الموضوع وكانوا في ألأنفس والأرواح أنها قائمة بذواتها قبل التجسد بالأبدان معدودة مجندة تتعارف وتتناكر).

وبهذا القول قال فون هامر المستشرق الألماني , وعبد العزيز إسلامبولي , ومحمد لطفي جمعه من الحديثين.

بسبب المشابهة الصوتية بين كلمة (صوفي) والكلمة اليونانية (صوفيا) , وكذلك لوجه الشبه الموجود بين كلمة (تصوف) , (تيوصوفيا) , وأن كلمتي صوفي وتصوف أخذتا من الكلمتين اليونانيتين (سوفيا) و (وتيوسوفيا) إلا أن نولدكه أثبت خطأ هذا الزعم كما كما أيده في ذلك نيكلسون , وما سينيون , وبالاضافة إلى البراهين القوية الأخرى التي أقامها نولدكه , فإنه يدلل على أن (س) اليونانية نقلت إلى العربية كما هي سينا , لا صادا كما أنه لا يوجد في اللغة الآرامية كلمة تعد واسطة لانتقال سوفيا إلى الصوفي).

فهذا هو الاختلاف الواقع في أصل لفظة التصوف واشتقاقها , ولذلك اضطر الصوفي القديم علىّ الهجويري المتوفى سنة 465 هـ إلى أن يقول:

(إن اشتقاق هذا الاسم لا يصح من مقتضى اللغة في أي معنى , لأن هذا الاسم أعظم من أن يكون له جنس ليشتق منه).

وبمثل ذلك قال القشيري في رسالته:

(ليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق).

كما أنه مما لاشك فيه أنه لا يصح ولا يستقيم اشتقاقه من حيث اللغة إلا من الصوف , ولو أنه هو اختيار الكثيرين من الصوفية وغيرهم كالطوسي , وأبي طالب المكي , والسهروردي وأبي المفاخر يحيى باخرزي , وابن تيمية , وابن خلدون من المتقدمين.

والاستاذ مصطفى عبد الرزاق , والدكتور زكي مبارك , والدكتور عبد الحليم محمود , والدكتور قاسم غني , ومن المستشرقين مرجليوس , ونيكلسون , وماسينيون , ونولدكه وغيرهم من المتأخرين , مع انكار ذلك من أعلام الصوفية وأقطابها كما مر سابقا.

ومن الطرائف أن الدكتور زكي مبارك استشهد القشيرية على ردّ من جعل اشتقاق التصوف من الصفاء بالقشيري , واستند إلى قوله قائلا:

(وقد استبعد ذلك القشيري وهو من أقطاب الصوفية).

مع أنه هو نفسه يورد بعد أسطر من هذا الإستشهاد والاستناد رأيه في الموضوع بأن التصوف مأخوذ من الصوف , مع أن القشيري ردّ على هذا كما ردّ على ذلك.

وأطرف من ذلك أن السراج الطوسي من متقدمي الصوفية هو الآخر من يرجح نسبة التصوف إلى الصوف كما مر سابقا , ولكنه نفسه يرد كلامه حيث يذكر عن يحيى بن معاذ الرازي أنه كان يلبس الصوف والخلقان في ابتداء أمره , ثم كان في آخر عمره يلبس الخز اللين ... وأن أبا حفص النيسابوري كان يلبس قميصا خزا وثيابا فاخره , ثم ذكر: وآداب الفقراء في اللباس أن يكونوا مع الوقت إذا وجدوا الصوف أو اللبدة أو المرقعة لبسوا , وإذا وجدوا غير ذلك لبسوا).

هذا ومثل هذا كثير في كتب الآخرين من الصوفية المتقدمين منهم والمتأخرين. ولا بأس بنقل عبارات مختصرة عن مصطفى عبد الرزاق حيث يقول:

أما أصل هذا التعبير فالأقاويل فيه كثيرة:

فمن مرجح أنه لفظ جامد غير مشتق كالقشيري.

ومن قائل: أنه مشتق من الصفاء أو الصفو.

ومن قائل: أن اللفظ مأخوذ من الصوف لأن لباس الصوف كان يكثر في الزهاد.

وقال قائلون: إن الصوفية نسبة إلى الصفة التي ينسب إليها كثير من الصحابة .... لكن النسبة إلى الصفة لا تجيء على الصوفي , بل على الصفي.

وثم أقوال ضعيفة أخرى , كالقول بأن الصوفي نسبة إلى الصف الأول , لأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث المحاضرة والمناجاة.

وكالقول بأنهم منسوبون إلى صوفة القفا.

أو منسوبون إلى صوفة بن مروان.

وأرجح الأقوال وأقربها إلى العقل مذهب القائلين بأن الصوفي نسبة إلى الصوف , وأن المتصوف مأخوذ منه أيضا , فيقال: تصوف إذا لبس الصوف).

وأظن أن هذا الذي أوقع أحد الكتاب في التصوف في بحار الحيرة , وجعله مضطرا إلى أن يردد بعد ملاحظة هذه الاختلافات الكثيرة في أصل كلمة التصوف واشتقاقها , ونقل أقوالهم فيه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير